تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢١١
ما انخفض من الأرض والأمت ما ارتفع منها، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد كل من له أن يرى والمعنى لا يرى راء فيها منخفضا كالأودية ولا مرتفعا كالروابي والتلال.
قوله تعالى: " يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا " نفي العوج إن كان متعلقا بالاتباع - بأن يكون " لا عوج له " حالا عن ضمير الجمع وعامله يتبعون - فمعناه أن ليس لهم إذا دعوا إلا الاتباع محضا من غير أي توقف أو استنكاف أو تثبط أو مساهلة فيه لان ذلك كله فرع القدرة والاستطاعة أو توهم الانسان ذلك لنفسه وهم يعاينون اليوم أن الملك والقدرة لله سبحانه لا شريك له قال تعالى: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " المؤمن: 16، وقال: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا " البقرة: 165.
وإن كان متعلقا بالداعي كان معناه أن الداعي لا يدع أحدا إلا دعاه من غير أن يهمل أحدا بسهو أو نسيان أو مساهلة في الدعوة.
لكن تعقيب الجملة بقوله: " وخشعت الأصوات للرحمن " الخ يناسب المعنى الأول فإن ارتفاع الأصوات عند الدعوة والاحضار إنما يكون للتمرد والاستكبار عن الطاعة والاتباع.
وقوله: " وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا " قال الراغب: " الهمس الصوت الخفى وهمس الاقدام أخفى ما يكون من صوتها قال تعالى: " فلا تسمع إلا همسا ". انتهى والخطاب في قوله: " لا تسمع " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد كل سامع يسمع والمعنى وانخفضت الأصوات لاستغراقهم في المذلة والمسكنة لله فلا يسمع السامع إلا صوتا خفيا.
قوله تعالى: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا " نفي نفع الشفاعة كناية عن أن القضاء بالعدل والحكم الفصل على حسب الوعد والوعيد الإلهيين جار نافذ يومئذ من غير أن يسقط جرم مجرم أو يغمض عن معصية عاص لمانع يمنع منه فمعنى نفع الشفاعة تأثيرها.
وقوله: إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا " الاستثناء يدل على أن العناية في الكلام متعلقة بنفي الشفعاء لا بتأثير الشفاعة في المشفوع لهم، والمراد الاذن في
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست