تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٧١
محصله إرجاع العلم بها إلى الله وأنه من الغيب الذي لا يعلمه الاعلام الغيوب.
قوله تعالى: " الذي جعل لكم الأرض مهدا - إلى قوله - لايات لاولي النهى " قد عرفت أن لسؤاله " فما بال القرون الأولى؟ " ارتباطا بما وصف الله به من الهداية العامة التي منها هداية الانسان إلى سعادته في الحياة وهو الحياة الخالدة الأخروية وكذا الجواب عنه بقوله: " علمها عند ربى " الخ مرتبط فقوله: " الذي جعل لكم الأرض مهدا " مضي في الحديث عن الهداية العامة وذكر شواهد بارزة من ذلك.
فالله سبحانه أقر الانسان في الأرض يحيى فيها حياة أرضية ليتخذ منها زادا لحياته العلوية السماوية كالصبي يقر في المهد ويربى لحياة هي أشرف منه وأرقى، وجعل للانسان فيها سبلا ليتنبه بذلك أن بينه وبين غايته وهو التقرب منه تعالى والدخول في حظيرة الكرامة سبيلا يجب أن يسلكها كما يسلك السبل الأرضية لمأربه الحيوية وأنزل من السماء ماء وهو ماء الأمطار ومنه مياه عيون الأرض وأنهارها وبحارها فأنبت منه أزواجا أي أنواعا وأصنافا متقاربة شتى من نبات يهديكم إلى أكلها ففي ذلك آيات تدل أرباب العقول إلى هدايته وربوبيته تعالى.
فقوله: " الذي جعل لكم الأرض مهدا " إشارة إلى قرار الانسان في الأرض لإدامة الحياة وهو من الهداية، وقوله: " وجعل لكم فيها سبلا " إشارة إلى مسالك الانسان التي يسلكها في الأرض لادراك مآربه وهو أيضا من الهداية، وقوله: " وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم " إشارة إلى هداية الانسان والانعام إلى أكل النبات لابقاء الحياة، وفيه هداية السماء إلى الأمطار وماء الأمطار إلى النزول والنبات إلى الخروج.
والباء في " به " للسببية وفيه تصديق السببية والمسببية بين الأمور الكونية، والمراد بكون النبات أزواجا كونها أنواعا وأصنافا متقاربة كما فسره القوم أو حقيقة الازدواج بين الذكور والإناث من النبات وهي من الحقائق التي نبه عليها الكتاب العزيز.
وقوله: " فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى " فيه التفات من الغيبة إلى التكلم بالغير، قيل: والوجه فيه ما في هذا الصنع العجيب وإبداع الصور المتشتتة والأزواج المختلفة على ما فيها من تنوع الحياة من ماء واحد، من العظمة والصنع العظيم لا يصدر
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست