ربهما فسأل من ربكما؟ فكان من الحري أن يجاب بأن ربنا هو رب العالمين ليشملهما وإياه وغيرهم جميعا فأجيب بما هو أبلغ من ذلك فقيل: " ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " فأجيب بأنه رب كل شئ وأفيد مع ذلك البرهان على هذا المدعى، ولو قيل:
ربنا رب العالمين أفاد المدعى فحسب دون البرهان، فافهم ذلك.
وإنما أثبت في الكلام الهداية دون التدبير مع كون موردهما متحدا كما تقدمت الإشارة إليه لان المقام مقام الدعوة والهداية، والهداية العامة أشد مناسبة له.
هذا هو الذي يرشد إليه التدبر في الآية الكريمة، وبذلك يعلم حال سائر التفاسير التي أوردت للآية: كقول بعضهم: إن المراد بقوله: " خلقه " مثل خلقه وهو الزوج الذي يماثل الشئ، والمعنى: الذي خلق لكل شئ زوجا، فيكون في معنى قوله: " ومن كل شئ خلقنا زوجين ".
وقول بعضهم إن المراد بكل شئ أنواع النعم وهو مفعول ثان لاعطى وبالخلق المخلوق وهو مفعول أول لاعطى، والمعنى: الذي أعطى مخلوقاته كل شئ من النعم.
وقول بعضهم: إن المراد بالهداية الارشاد والدلالة على وجوده تعالى ووحدته بلا شريك، والمعنى: الذي أعطى كل شئ من الوجود ما يطلبه بلسان استعداده ثم أرشد ودل بذلك على وجود نفسه ووحدته. والتأمل فيما مر يكفيك للتنبه على فساد هذه الوجوه فإنما هي معان بعيدة عن السياق وتقييدات للفظ الآية من غير مقيد.
قوله تعالى: " قال فما بال القرون الأولى " قيل: البال في الأصل بمعنى الفكر ومنه قولهم: خطر ببالي كذا، ثم استعمل بمعنى الحال، ولا يثنى ولا يجمع وقولهم: بالات، شاذ.
لما كان جواب موسى عليه السلام مشتملا على معنى الهداية العامة التي لا تتم في الانسان إلا بنبوة ومعاد إذ لا يستقيم دين التوحيد إلا بحساب وجزاء يتميز به المحسن من المسئ ولا يتم ذلك إلا بتمييز ما يأمر تعالى به مما ينهى عنه وما يرتضيه مما يسخطه، على أن كلمة الدعوة التي أمرا أن يؤدياها إلى فرعون مشتملة على الجزاء صريحا ففي آخرها