تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٦٦
لما هرب إلى مدين قال: له شعيب عليه السلام:
لا تخف نجوت من القوم الظالمين فكيف يعتقد أنه إله العالم؟ وبأنه كان عاقلا ضرورة أنه كان مكلفا وكل عاقل يعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم ومن كان كذلك افتقر إلى مدبر فيكون قائلا بالمدبر.
ومن الناس من قال: إنه كان جاهلا بالله تعالى بعد اتفاقهم على أن العاقل لا يجوز أن يعتقد في نفسه أنه خالق السماوات والأرض وما بينهما واختلفوا في كيفية جهله. فيحتمل أنه كان دهريا نافيا للصانع أصلا، ولعله كان يقول بعدم احتياج الممكن إلى مؤثر وأن وجود العالم اتفاقي كما نقل عن ذي مقراطيس وأتباعه.
ويحتمل أنه كان فلسفيا قائلا بالعلة الموجبة ويحتمل أنه كان من عبدة الكواكب ويحتمل أنه كان من عبدة الأصنام، ويحتمل أنه كان من الحلولية المجسمة، وأما دعاؤه لنفسه بالربوبية فبمعنى أنه يجب على من تحت يده طاعته والانقياد له وعدم الاشتغال بطاعة غيره. انتهى بنحو من التلخيص.
وأنت بالرجوع إلى حاق مذهب القوم تعرف أن شيئا من هذه الأقوال والمحتملات ولا ما استدلوا عليه لا يوافق واقع الامر.
قوله تعالى: " قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " سياق الآية - وهي واقعة في جواب سؤال فرعون: " فمن ربكما يا موسى " - يعطي أن " خلقه " بمعنى اسم المصدر والضمير للشئ فالمراد الوجود الخاص بالشئ.
والهداية إراءة الشئ الطريق الموصل إلى مطلوبة أو إيصاله إلى مطلوبه ويعود المعنيان في الحقيقة إلى معنى واحد وهو نوع من إيصال الشئ إلى مطلوبه إما بإيصاله إليه نفسه أو إلى طريقه الموصل إليه. وقد اطلق الهداية من حيث المهدي والمهدي إليه ولم يسبق في الكلام إلا الشئ الذي أعطي خلقه فالظاهر أن المراد هداية كل شئ - المذكور قبلا - إلى مطلوبه ومطلوبه هو الغاية التي يرتبط بها وجوده وينتهي إليها والمطلوب هو مطلوبه من جهة خلقه الذي اعطيه ومعنى هدايته له إليها تسييره نحوها كل ذلك بمناسبة البعض للبعض.
فيؤول المعنى إلى إلقائه الرابطة بين كل شئ بما جهز به في وجوده من القوى والا لات وبين آثاره التي تنتهي به إلى غاية وجوده فالجنين من الانسان مثلا وهو
(١٦٦)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست