تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٦٧
نطفة مصورة بصورته مجهز في نفسه بقوى وأعضاء تناسب من الافعال والآثار ما ينتهى به إلى الانسان الكامل في نفسه وبدنه فقد أعطيت النطفة الانسانية بما لها من الاستعداد خلقها الذي يخصها وهو الوجود الخاص بالانسان ثم هديت وسيرت بما جهزت به من القوى والأعضاء نحو مطلوبها وهو غاية الوجود الانساني والكمال الأخير الذي يختص به هذا النوع.
ومن هنا يظهر معنى عطف قوله: " هدى على قوله: " أعطى كل شئ خلقه " بثم وأن المراد التأخر الرتبي فإن سير الشئ وحركته بعد وجوده رتبة وهذا التأخر في الموجودات الجسمانية تدريجي زماني بنحو.
وظهر أيضا أن المراد بالهداية الهداية العامة الشاملة لكل شئ دون الهداية الخاصة بالانسان، وذلك بتحليل الهداية الخاصة وتعميمها بإلقاء الخصوصيات فإن حقيقة هدايه الانسان بإراءته الطريق الموصل إلى المطلوب والطريق رابطة القاصد بمطلوبه فكل شئ جهز بما يربطه بشئ ويحركه نحوه فقد هدي إلى ذلك الشئ فكل شئ مهدي نحو كماله بما جهز به من تجهيز والله سبحانه هو الهادي.
فنظام الفعل والانفعال في الأشياء وإن شئت فقل: النظام الجزئي الخاص بكل شئ والنظام العام الجامع لجميع الأنظمة الجزئية من حيث ارتباط أجزائها وانتقال الأشياء من جزء منها إلى جزء مصداق هدايته تعالى وذلك بعناية أخرى مصداق لتدبيره، ومعلوم أن التدبير ينتهي إلى الخلق بمعنى أن الذي ينتهى وينتسب إليه تدبير الأشياء هو الذي أوجد نفس الأشياء فكل وجود أو صفة وجود ينتهى إليه ويقوم به.
فقد تبين أن الكلام أعني قوله: " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " مشتمل على البرهان على كونه تعالى رب كل شئ لا رب غيره فإن خلقه الأشياء وإيجاده لها يستلزم ملكه لوجوداتها - لقيامها به - وملك تدبير أمرها.
وعند هذا يظهر أن الكلام على نظمه الطبيعي والسياق جار على مقتضى المقام فإن المقام مقام الدعوة إلى التوحيد وطاعة الرسول وقد أتى فرعون بعد استماع كلمة الدعوة بما حاصله التغافل عن كونه تعالى ربا له، وحمل كلامهما على دعوتهما له إلى
(١٦٧)
مفاتيح البحث: الأكل (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»
الفهرست