تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٧٦
وأضافوا إلى ذلك أمرا آخر أمر من الجلاء والخروج من الديار والأموال وهو ذهاب طريقتهم المثلى وسنتهم القومية التي هي ملة الوثنية الحاكمة فيهم قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل وقد اشتد بها عظمهم ونبت عليها لحمهم والعامة تقدس السنن القومية وخاصة ما اعتادت عليها وأذعنت بأنها سنن ظاهرة سماوية. وهذا بالحقيقة إغراء لهم على التثبت والاستقامة على ملة الوثنية لكن لا لأنها دين حق لا شبهة فيه فإن حجة موسى أوضحت فسادها وكشفت عن بطلانها بل بعنوان أنها سنة ملية مقدسة تعتمد عليها مليتهم وتستند إليها شوكتهم وعظمتهم وتعتصم بها حياتهم فلو اختلفوا وتركوا مقابلة موسى واستعلى هو عليهم كان في ذلك فناؤهم بالمرة.
فالرأي هو أن يجمعوا كل كيد لهم ثم يدعوا الاختلاف ويأتوا صفا حتى يستعلوا وقد أفلح اليوم من استعلى.
فأكدوا عليهم القول بالتسويل أن يتحدوا ويتفقوا ولا يهنوا في حفظ ملتهم ومدنيتهم ويكروا على عدوهم كرة رجل واحد، وشفع ذلك فرعون بمواعد جميلة وعدهم إياها كما يظهر من قوله تعالى في موضع آخر: قالوا لفرعون أئن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين، قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين " الشعراء: 42. وبأي وجه كان من ترغيب وترهيب حملوهم على أن يثبتوا ويواجهوا موسى بمغالبته.
هذا ما يعطيه التدبر في معنى الآيات بالاستمداد من السياق والقرائن المتصلة والشواهد المنفصلة، وعلى ذلك فقوله: " فتنازعوا أمرهم بينهم " إشارة إلى اختلافهم إثر موعظة موسى وما أومأ إليه من الحجة.
وقوله: " وأسروا النجوى " إشارة إلى مسارتهم في أمر موسى واجتهادهم في رفع الاختلاف الناشئ من استماعهم وعظ موسى عليه السلام، وقوله: " قالوا إن هذان لساحران يريدان " الخ، بيان نجوى الذي أسروه فيما بينهم وقد مر توضيح معناه.
وقوله: " إن هذان لساحران " القراءة المعروفة " إن " بكسر الهمزة وسكون النون وهي " إن " المشبهة بالفعل خففت فألغيت عن العمل بنصب الاسم ورفع الخبر.
قوله تعالى: " قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى "
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست