في الآية السابقة، وأما رجوعها إلى السحرة فقط فلم يسبق لهم ذكر ولا دل عليهم دليل من جهة اللفظ.
وهذا القول من موسى عليه السلام موعظة لهم وإنذار أن يفتروا على الله الكذب، وقد ذكر من افترائهم فيما مر تسمية فرعون الآيات الإلهية سحرا، ورمي الدعوة الحقة بأنها للتوسل إلى إخراجهم من أرضهم ومن الافتراء أيضا السحر لكن افتراء الكذب على الله وهو اختلاق الكذب عليه إنما يكون بنسبة ما ليس من الله إليه، وعد الآية المعجزة سحرا والدعوة الحقة كيدا سياسيا قطع نسبتهما إلى الله وكذا إتيانهم بالسحر قبال المعجزة مع الاعتراف بكونه سحرا لا واقع له فلا يعد شئ منها افتراء على الله.
فالظاهر أن المراد بافتراء الكذب على الله الاعتقاد بأصول الوثنية كألوهية الالهة وشفاعتها ورجوع تدبير العالم إليها كما فسروا الآية بذلك، وقد عد ذلك افتراء على الله في مواضع من القرآن كقوله: " قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم " الأعراف: 89.
وقوله: " فيسحتكم بعذاب " تفريع على النهي أي لا تشركوا بالله حتى يستأصلكم ويهلككم بعذاب بسبب شرككم، وتنكير العذاب للدلالة على شدته وعظمته.
قوله وقد خاب من افترى " الخيبة اليأس من بلوغ النتيجة المأمولة وقد وضعت الجملة في الكلام وضع الأصل الكلي الذي يتمسك به وهو كذلك فإن الافتراء من الكذب وسببيته سببيه كاذبة والأسباب الكاذبة لا تهتدى إلى مسببات حقة وآثار صادقة فنتائجها غير صالحة للبقاء ولا هي تسوق إلى سعادة فليس في عاقبتها إلا الشؤم والخسران فالآية أشمل معنى من قوله تعالى: " إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " يونس: 69. لاثباتها الخيبة في مطلق الافتراء بخلاف الآية الثانية وقد تقدم كلام في أن الكذب لا يفلح في ذيل قوله وجاؤا على قميصه بدم كذب " يوسف: 18 في الجزء الحادي عشر من الكتاب.
قوله تعالى: " فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى - إلى قوله - من استعلى " التنازع قريب المعنى من الاختلاف، من النزع بمعنى جذب الشئ من مقره لينقلع