وكان من المسلم المقطوع عند الأمم الوثنيين أن خالق الكل حقيقة هي أعلى من أن يقدر بقدر وأعظم من أن يحيط به عقل أو وهم فمن المستحيل أن يتوجه إليه بعبادة أو يتقرب إليه بقربان فلا يؤخذ إلها وربا بل الواجب التوجه إلى بعض مقربي خلقه بالعبادة والقربان ليقرب الانسان من الله زلفى ويشفع له عنده فهؤلاء هم الالهة والأرباب وليس الله سبحانه بإله ولا رب وإنما هو إله الالهة ورب الأرباب فقول القائل إن لي ربا إنما يعنى به أحد الالهة من دون الله وليس يعني به الله سبحانه ولا يفهم ذلك من كلامه في محاوراتهم.
فقول فرعون: " فمن ربكما " ليس إنكارا لوجود خالق الكل ولا إنكار أن يكون له إله كما يظهر من قوله " ويذرك وآلهتك " الأعراف 127، وإنما هو طلب منه للمعرفة بحال من اتخذاه إلها وربا من هو غيره؟ وهذا معنى ما تقدم أن فرعون يتغافل في قوله هذا عن دعوتهما إلى الله سبحانه وهما في أول الدعوة فهو يقدر ولو كتقدير المتجاهل أن موسى وأخاه يدعوانه إلى بعض الالهة التي يتخذ فيما بينهم ربا من دون الله فيسأل عنه، وقد كان من دأب الوثنيين التفنن في اتخاذ الالهة يتخذ كل منهم من يهواه إلها وربما بدل إلها من إله فتلك طريقتهم وسيأتى قول الملاء: " ويذهبا بطريقتكم المثلى " نعم، ربما تفوه عامتهم ببعض ما لا يوافق أصولهم كنسبة الخلق والتدبير إلى نفس الأصنام دون أربابها.
فمحصل مذهبهم أنهم ينزهون الله تعالى عن العبادة والتقرب وإنما يتقربون استشفاعا إليه ببعض خلقه كالملائكة والجن والقديسين من البشر، وكان منهم الملوك العظام عند كثير منهم يرونهم مظاهر لعظمة اللاهوت فيعبدونهم في عرض سائر الالهة والأرباب وكان لا يمنع ذلك الملك الرب أن يتخذ إلها من الالهة فيعبده فيكون عابدا لربه معبودا لغيره من الرعية كما كان رب البيت يعبد في بيته عند الروم القديم وكان أكثرهم من الوثنية الصابئة فقد كان فرعون موسى ملكا متألها وهو يعبد الأصنام وهو الظاهر من خلال الآيات الكريمة.
ومن هنا يظهر ما في أقوال كثير من المفسرين في أمره قال في روح المعاني ذهب بعضهم إلى أن فرعون كان عارفا بالله تعالى إلا أنه كان معاندا واستدلوا عليه بعدة من الآيات. وبأن ملكه لم يتجاوز القبط ولم يبلغ الشام ألا ترى أن موسى عليه السلام