كذلك لظهر أثره في ظاهر بشرته ولم يكن لتقييد الخيفة بكونها في نفسه وجه.
فظهر أن الخيفة التي أوجسها في نفسه كانت إحساسا آنيا لها نظيرة الخاطر الذي عقبها فقد خطرت بقلبه عظمة سحرهم وأنه بحسب التخيل مماثل أو قريب من آيته فأوجس الخيفة من هذا الخطور وهو كنفس الخطور لا أثر له.
وقيل: " إنه خاف أن يلتبس الامر على الناس فلا يميزوا بين آيته وسحرهم للتشابه فيشكوا ولا يؤمنوا ولا يتبعوه ولم يكن يعلم بعد أن عصاه ستلقف ما يأفكون.
وفيه أن ذلك ينافي اطمئنانه بالله ووثوقه بأمره وقد قال له ربه قبل ذلك:
: " بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " القصص: 35.
وقيل: " إنه خاف أن يتفرق الناس بعد رؤية سحرهم ولا يصبروا إلى أن يلقي عصاه فيدعى التساوي ويخيب السعي.
وفيه: أنه خلاف ظاهر الآية فإن ظاهر تفريع قوله: " فأوجس في نفسه خيفة " الخ، على قوله: " فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه " الخ، أنه إنما خاف ما خيل إليه من سحرهم لا أنه خاف تفرق الناس قبل أن يتبين الامر بإلقاء العصا، ولو خاف ذلك لم يسمح له بأن يلقوا حبالهم وعصيهم أولا، على أن هذا الوجه لا يلائم قوله تعالى في تقوية نفسه عليه السلام: " قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى " ولقيل: لا تخف لا ندعهم يتفرقون حتى تلقي العصا.
وكيفما كان يظهر من إيجاسه عليه السلام خيفة في نفسه أنهم أظهروا للناس من السحر ما يشابه آيته المعجزة أو يقرب منه وإن كان ما اتوا به سحرا لا حقيقة له وما أتى به آية معجزه ذات حقيقة وقد استعظم الله سحرهم إذ قال: " فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم " الأعراف: 116. ولذا أيده الله ههنا بما لا يبقى معه لبس لناظر البتة وهو تلقف العصا جميع ما سحروا به.
قوله تعالى: " قلنا لا تخف إنك أنت الاعلي - إلى قوله حيث أتي نهي بداعي التقوية والتأييد وقد علله بقوله: " انك أنت الاعلى: فالمعنى انك فوقهم من كل جهة: " وإذا كان كذلك لم يضرك شئ من كيدهم وسحرهم فلا موجب لان تخاف.
وقوله: " وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إلخ أمر بالقاء العصا لتكون