تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٣٨
قولنا نودي يا موسى ها أنا ذا ربك وأنت بمحضر منى وقد تقدس الوادي بذلك فالتزم شرط الأدب وأخلع نعليك.
وعلى هذا النحو يقدس ما يقدس من الأمكنة والأزمنة كالكعبة المشرفة والمسجد الحرام وسائر المساجد والمشاهد المحترمة في الاسلام والأعياد والأيام المتبركة فإنما ذلك قدس وشرف اكتسبته بالانتساب إلى واقعة شريفة وقعت فيها أو نسك وعبادة مقدسة شرعت فيها وإلا فلا تفاضل بين أجزاء المكان ولا بين أجزاء الزمان.
ولما سمع موسى عليه السلام قوله تعالى: " يا موسى إني أنا ربك فهم من ذلك فهم يقين أن الذي يكلمه هو ربه والكلام كلامه وذلك أنه كان وحيا منه تعالى وقد صرح تعالى بقوله: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء " الشورى: 51، أن لا واسطة بينه تعالى وبين من يكلمه من حجاب أو رسول إذا كان تكليم وحي وإذ لم يكن هناك أي واسطة مفروضة لم يجد الموحى إليه مكلما لنفسه ولا توهمه إلا الله ولم يجد الكلام إلا كلامه ولو احتمل أن يكون المتكلم غيره أو الكلام كلام غيره لم يكن تكليما ليس بين الانسان وبين ربه غيره.
وهذا حال النبي والرسول في أول ما يوحى إليه بالنبوة والرسالة لم يختلجه شك ولا اعترضه ريب في أن الذي يوحي إليه هو الله سبحانه من غير أن يحتاج إلى إعمال نظر أو التماس دليل أو إقامة حجة ولو افتقر إلى شئ من ذلك كان اكتسابا بواسطة القوة النظرية لا تلقيا من الغيب من غير توسط واسطة.
فإن قلت: قوله تعالى في القصة في موضع آخر من كلامه: " وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ".
وقوله في موضع آخر: " من جانب الطور الأيمن من الشجرة " يثبت الحجاب في تكليمه عليه السلام.
قلت: نعم لكن ثبوت الحجاب أو الرسول في مقام التكليم لا ينافي تحقق التكليم بالوحي فإن الوحي كسائر أفعاله تعالى لا يخلو من واسطة وإنما يدور الامر مدار التفات المخاطب الذي يتلقى الكلام فإن التفت إلى الواسطة التي تحمل الكلام
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست