تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٢٩
وفيه عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل وفيه: قال السائل: فقوله:
" الرحمن على العرش استوى؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول على العرش باين من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له، ولا أن يكون العرش حاويا له ولا أن يكون العرش ممتازا له ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: " وسع كرسيه السماوات والأرض ".
فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ونفينا أن يكون العرش أو الكرسي حاويا وأن يكون عز وجل محتاجا إلى مكان أو إلى شئ مما خلق بل خلقه محتاجون إليه.
أقول: وقوله عليه السلام: فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته الخ، إشارة إلى طريقة أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآيات المتشابهة من القرآن مما يرجع إلى أسمائه وصفاته وأفعاله وآياته الخارجة عن الحس وذلك بإرجاعها إلى المحكمات ونفي ما تنفيه المحكمات عن ساحته تعالى وإثبات ما ثبت بالآية وهو أصل المعنى المجرد عن شائبه النقص والامكان التي نفاها المحكمات.
فالعرش هو المقام الذي يبتدي منه وينتهي إليه أزمة الأوامر والاحكام الصادرة من الملك وهو سرير مقبب مرتفع ذو قوائم معمول من خشب أو فلز يجلس عليه الملك ثم إن المحكمات من الآيات كقوله تعالى: ليس كمثله شئ " الشورى: 11، وقوله:
" سبحان الله عما يصفون " الصافات 159، تدل على انتفاء الجسم وخواصه عنه تعالى فينفي من العرش الذي وصفه لنفسه في قوله: " الرحمن على العرش استوى " طه: 5، وقوله: " ورب العرش العظيم " المؤمنون: 86، كونه سريرا من مادة كذا على هيئة خاصة ويبقى أصل المعنى وهو أنه المقام الذي يصدر عنه الاحكام الجارية في النظام الكوني وهو من مراتب العلم الخارج من الذات.
والمقياس في معرفة ما عبرنا عنه بأصل المعنى أنه المعنى الذي يبقي ببقائه الاسم وبعبارة أخرى يدور مداره صدق الاسم وإن تغيرت المصاديق واختلفت الخصوصيات.
مثال ذلك أن السراج ظهر أول يوم وهو آلة الاستضاءة في ظلمة الليل ومصداقه يومئذ إناء يجعل فيه فتيلة على مادة دسمة ويشتعل رأسها فتشعل بما تجذب من الدسومة
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست