تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٢٧
هذا فرفع الكلفة والتعب عنه صلى الله عليه وآله وسلم على ما يناسب الحال إنما هو بأن يؤمر بتقليل الصلاة أو بتخفيف القيام لا بوضع القدمين على الأرض حتى يزيد ذلك في تعبه ويشدد وجعه فلا يلائم قوله: " طه " قوله: " ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " ولعل قوله:
" يعنى الأرض بقدميك " من كلام الراوي والنقل بالمعنى.
على أنه مغاير للقراءات المأثورة البانية على كون " طه " حرفين مقطعتين لا معنى وضعي لهما كسائر الحروف المقطعة التي صدرت بها عدة من السور القرآنية.
وذكر قوم منهم أن معنى " طه " يا رجل ثم قال بعضهم: أنه لغة نبطية وقيل:
حبشية وقيل: عبرانية، وقيل: سريانية، وقيل: لغة عكل، وقيل: لغة عك، وقيل: هو لغة قريش، واحتمل الزمخشري أن يكون لغة عك وأصله يا هذا قلبت الياء طاءا وحذفت ذا تخفيفا فصارت طاها، وقيل: معناه يا فلان، وقرأ قوم طه بفتح الطاء وسكون الهاء كأنه أمر من وطأ يطأ والهاء للسكت وقيل: إنه من أسماء الله ولا عبرة بشئ من هذه الأقوال ولا جدوى في إمعان البحث عنها.
نعم ورد عن أبي جعفر عليه السلام كما في روح المعاني وعن أبي عبد الله عليه السلام كما عن معاني الأخبار بإسناده عن الثوري أن طه اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في روايات أخرى أن يس من أسمائه وروي الاسمين معا في الدر المنثور عن ابن مردويه عن سيف عن أبي جعفر.
وإذ كانت تسمية سماوية ما كان صلى الله عليه وآله وسلم يدعى ولا يعرف به قبل نزول القرآن ولا أن لطه معنى وصفيا في اللغة ولا معنى لتسميته بعلم ارتجالي لا معنى له إلا الذات مع وجود اسمه واشتهاره به وكان الحق في الحروف المقطعة في فواتح السور أنها تحمل معاني رمزية ألقاها الله إلى رسوله، وكانت سورة طه مبتدئة بخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم " طه ما أنزلنا عليك " الخ كما أن سورة يس كذلك " يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين " بخلاف سائر السور المفتتحة بالحروف المقطعة وظاهر ذلك أن يكون المعنى المرموز إليه بمقطعات فاتحتي هاتين السورتين أمرا راجعا إلى شخصه صلى الله عليه وآله وسلم متحققا به بعينه فكان وصفا لشخصيته الباطنة مختصا به فكان اسما من أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم فإذا أطلق عليه وقيل: طه أو يس كان المعنى من خوطب بطه أو يس ثم صار علما بكثرة الاستعمال.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست