بل ذلك - ان كان - بعروجه صلى الله عليه وآله وسلم بروحه الشريفة إلى ما وراء هذا العالم المادي مما يسكنه الملائكة المكرمون وينتهى إليه الأعمال ويصدر منه الاقدار وراى عند ذلك من آيات ربه الكبرى وتمثلت له حقائق الأشياء ونتائج الأعمال وشاهد أرواح الأنبياء العظام وفاوضهم ولقى الملائكة الكرام وسامرهم، وراى من الآيات الإلهية ما لا يوصف الا بالأمثال كالعرش والحجب والسرادقات.
والقوم لذهابهم إلى أصالة الوجود المادي وقصر الوجود غير المادي فيه تعالى لما وجدوا الكتاب والسنة يصفان أمورا غير محسوسة بتمثيلها في خواص الأجسام المحسوسة كالملائكة الكرام والعرش والكرسي واللوح والقلم والحجب والسرادقات حملوا ذلك على كونها أجساما مادية لا يتعلق بها الحس ولا يجرى فيها احكام المادة، وحملوا أيضا ما ورد من التمثيلات في مقامات الصالحين ومعارج القرب وبواطن صور المعاصي ونتائج الأعمال وما يناظر ذلك إلى نوع من التشبيه والاستعارة فوقعوا في ورطة السفسطة بتغليط الحس واثبات الروابط الجزافية بين الأعمال ونتائجها وغبر ذلك من المحاذير.
ولذلك أيضا لما نفى النافون منهم كون عروجه صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماوات بجسمه المادي اضطروا إلى القول بكونه في المنام وهو عندهم خاصة مادية للروح المادي واضطروا لذلك إلى تأويل الآيات والروايات بما لا تلائمه ولا واحدة منها.
بحث آخر:
قال في مجمع البيان: فاما الموضع الذي اسرى إليه أين كان؟ فان الاسراء إلى بيت المقدس، وقد نص به القرآن ولا يدفعه مسلم، وما قاله بعضهم: ان ذلك كان في النوم فظاهر البطلان إذ لا معجز يكون فيه ولا برهان.
وقد وردت روايات كثيرة في قصة المعراج في عروج نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء ورواها كثير من الصحابة مثل ابن عباس وابن مسعود وانس وجابر بن عبد الله وحذيفة وعائشة وأم هاني وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزاد بعضهم ونقص بعض وتنقسم جملتها إلى أربعة أوجه: