أحدها: ما يقطع على صحتها لتواتر الاخبار به وإحاطة العلم بصحته.
وثانيها: ما ورد في ذلك مما يجوزه العقول ولا يأباه الأصول فنحن نجوزه ثم نقطع على أن ذلك كان في يقظته دون منامه.
وثالثها: ما يكون ظاهره مخالفا لبعض الأصول الا انه يمكن تأويلها على وجه يوافق المعقول فالأولى تأويله على وجه يوافق الحق والدليل.
ورابعها: ما لا يصح ظاهره ولا يمكن تأويله الا على التعسف البعيد فالأولى ان لا نقبله.
فاما الأول المقطوع به فهو انه اسرى به على الجملة، واما الثاني فمنه ما روى أنه طاف في السماوات وراى الأنبياء والعرش وسدرة المنتهى والجنة والنار ونحو ذلك.
واما الثالث فنحو ما روى أنه رأى قوما في الجنة يتنعمون فيها وقوما في النار يعذبون فيها فيحمل على أنه رأى صفتهم أو أسمائهم، واما الرابع فنحو ما روى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كلم الله جهرة ورآه وقعد معه على سريره ونحو ذلك مما يوجب ظاهره التشبيه، والله سبحانه متقدس عن ذلك، وكذلك ما روى أنه شق بطنه وغسله لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان طاهرا مطهرا من كل سوء وعيب وكيف يطهر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء. انتهى.
وما ذكره من التقسيم في محله غير أن غالب ما اورده من الأمثلة للأقسام منظور فيه فما ذكره من الطواف ورؤية الأنبياء ونحو ذلك تمثلات برزخية أو روحية وكذا ما ذكره من حديث شق البطن والغسل تمثل برزخي لا ضير فيه وأحاديث الاسراء مملوءة من ذكر هذا النوع من التمثل كتمثل الدنيا في هيئة مراة عليها من كل زينة الدنيا، وتمثل دعوة اليهودية والنصرانية وما شاهده من أنواع النعيم والعذاب لأهل الجنة والنار وغير ذلك.
ومما يؤيد هذا الذي ذكرناه ما في السنة هذه الأخبار من الاختلاف في بيان حقيقة واحدة كما في بعضها من صعوده صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء بالبراق وفي آخر على جناح جبريل وفي آخر بمعراج منصوب على صخرة بيت المقدس إلى السماء إلى غير ذلك مما يعثر عليه الباحث المتدبر في خلال هذه الروايات.
فهذه وأمثالها ترشد إلى أن هذه البيانات موضوعة على التمثيل أو التمثل الروحي، ووقوع هذه التمثيلات في ظواهر الكتاب والسنة مما لا سبيل إلى انكاره البتة.