المسجد الحرام لكمال ظهور الآية ولا موجب للتأويل.
ثم اختلفوا في كيفية الاسراء فقيل: كان اسراؤه عليه السلام بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ثم منه إلى السماوات وعليه الأكثر وقيل: كان بروحه وجسده من مكة إلى بيت المقدس ثم بروحه من بيت المقدس إلى السماوات وعليه جمع، وقيل: كان بروحه عليه السلام وهو رؤيا صادقة أراها الله نبيه ونسب إلى بعضهم.
قال في المناقب: اختلف الناس في المعراج فالخوارج ينكرونه، وقالت الجهمية:
عرج بروحه دون جسمه على طريق الرؤيا، وقالت الامامية والزيدية والمعتزلة: بل عرج بروحه وبجسمه إلى البيت المقدس لقوله تعالى: (إلى المسجد الأقصى) وقال آخرون: بل عرج بروحه وبجسمه إلى السماوات روى ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وجابر وحذيفة وانس وعائشة وأم هاني.
ونحن لا ننكر ذلك إذا قامت الدلالة وقد جعل الله معراج موسى إلى الطور (وما كنت بجانب الطور) ولإبراهيم إلى السماء الدنيا (وكذلك نرى إبراهيم) ولعيسى إلى الرابعة (بل رفعه الله إليه) ولإدريس إلى الجنة (ورفعناه مكانا عليا) ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (فكان قاب قوسين) وذلك لعلو همته. انتهى.
والذي ينبغي ان يقال ان أصل الاسراء مما لا سبيل إلى انكاره فقد نص عليه القرآن وتواترت عليه الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من أهل بيته عليه السلام.
واما كيفية الاسراء فظاهر الآية والروايات بما يحتف بها من القرائن ظهورا لا يقبل الدفع انه اسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بروحه وجسده جميعا واما العروج إلى السماوات فظاهر آيات سورة النجم كما سيأتي إن شاء الله في تفسيرها وصريح الروايات على كثرتها البالغة وقوعه، ولا سبيل إلى انكاره من أصله غير أنه من الجائز ان يقال بكونه بروحه لكن لا على النحو الذي يراه القائلون به من كون ذلك من قبيل الأحلام ومن نوع ما يراه النائم من الرؤى، ولو كان كذلك لم يكن لما يدل عليه الآيات بسياقها من اظهار المقدرة والكرامة معنى، ولا لذاك الانكار الشديد الذي أظهرته قريش عند ما قص عليه السلام لهم القصة وجه، ولا لما اخبرهم به من حوادث الطريق مفهوم معقول.