المسجد الحرام فقال اولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم فقال أحدهم خذوا خيرهم فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى اتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا ينام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى انقى جوفه ثم اتى بطست من ذهب محشوا ايمانا وحكمة فحشا به صدره ولغا ديده يعنى عروق حلقه ثم أطبقه ثم عرج به إلى سماء الدنيا ثم ساق الحديث نحوا مما تقدم.
والذي وقع فيه من شق بطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغسله وانقائه ثم حشوه ايمانا وحكمة حال مثالية شاهدها وليس بالامر المادي كما ربما يزعم، ويشهد به حشوه ايمانا وحكمة واخبار المعراج مملوءة من المشاهدات المثالية والتمثلات الروحية وقد ورد هذا المعنى في عدة من اخبار المعراج المروية من طرق القوم ولا ضير فيه كما لا يخفى.
وظاهر الرواية ان معراجه صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل البعثة وانه كان في المنام اما كونه قبل البعثة فيدفعه معظم الروايات الواردة في الاسراء وهى أكثر من أن تحصى وقد اتفق على ذلك علماء هذا الشأن.
على أن الحديث نفسه يدفع كون الاسراء قبل البعثة وقد اشتمل على فرض الصلوات وكونها اولا خمسين ثم سؤال التخفيف بإشارة من موسى عليه السلام ولا معنى للفرض قبل النبوة فمن الحري ان يحمل صدر الحديث على أن الملائكة اتوه اولا قبل ان يوحى إليه ثم تركوه ثم جاؤه ليلة أخرى بعد بعثته وقد ورد في بعض رواياتنا ان الذين كانوا نائمين معه في المسجد ليلة اسرى به هم حمزة بن عبد المطلب وجعفر وعلى ابنا أبى طالب.
واما ما وقع فيه من كون ذلك في المنام فيمكن - على بعد - ان يكون ناظرا إلى ما ذكر فيه من حديث الشق والغسل لكن الاظهر ان المراد به وقوع الاسراء بجملته في المنام كما يدل عليه ما يأتي من الروايات.
وفي الدر المنثور أيضا اخرج ابن إسحاق وابن جرير عن معاوية بن أبي سفيان انه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: كانت رؤيا من الله صادقه.