الكلام أن يقدم القول الثاني ويؤخر الأول ويذكر مع الثالث الذي لم يذكر معه ما يدل على عدم ارتضائه.
والقول الثالث أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، وقد ذكره الله سبحانه ولم يعقبه بشئ يدل على تزييفه، ولا يخلو ذلك من اشعار بأنه القول الحق وقد تقدم في الكلام على محاورتهم المحكية بقوله تعالى: " قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم " أنه مشعر بل دال على أن عددهم لم يكن بأقل من سبعة.
ومن لطيف صنع الآية في عد الأقوال نظمها العدد من ثلاثة إلى ثمانية نظما متواليا ففيها ثلاثة رابعها خمسة سادسها سبعة وثامنها.
وأما قوله: " رجما بالغيب " تمييز يصف القولين بأنهما من القول بغير علم والرجم هو الرمي بالحجارة وكأن المراد بالغيب الغائب وهو القول الذي معناه غائب عن العلم لا يدري قائله أهو صدق أم كذب؟ فشبه الذي يلقي كلاما ما هذا شأنه بمن يريد الرجم بالحجارة فيرمي ما لا يدري أحجر هو يصيب غرضه أم لا؟ ولعله المراد بقول بعضهم: رجما بالغيب أي قذفا بالظن لان المظنون غائب عن الظان لا علم له به.
وقيل معنى " رجما بالغيب " ظنا بالغيب وهو بعيد.
وقد قال تعالى: " ثلاثة رابعهم كلبهم " وقال: " خمسة سادسهم كلبهم " فلم يأت بواو ثم قال: " سبعة وثامنهم كلبهم " فأتى بواو قال في الكشاف: وثلاثة خبر مبتدء محذوف أي هم ثلاثة، وكذلك خمسة وسبعة، رابعهم كلبهم جملة من مبتدء وخبر واقعة صفة لثلاثة، وكذلك سادسهم كلبهم وثامنهم كلبهم.
فان قلت: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة؟ ولم دخلت عليها دون الأوليين؟
قلت: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في نحو قولك: جاءني رجل ومعه آخر ومررت بزيد وبيده سيف، ومنه قوله تعالى: " وما أهلكنا من قرية الا ولها كتاب معلوم " وفائدتها تأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر.
وهذه الواو هي التي آذنت بأن الذين قالوا: سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات