قوله تعالى: " وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم " إلى آخر الآيتين التساؤل سؤال بعض القوم بعضا، والورق بالفتح فالكسر: الدراهم، وقيل هو الفضة مضروبة كانت أو غيرها، وقوله: إن يظهروا عليكم أي إن يطلعوا عليكم أو أن يظفروا بكم. والإشارة بقوله: " وكذلك بعثناهم " إلى إنامتهم بالصورة التي مثلتها الآيات السابقة أي كما أنمناهم في الكهف دهرا طويلا على هذا الوضع العجيب المدهش الذي كان آية من آياتنا كذلك بعثناهم وأيقظناهم ليتساءلوا بينهم.
وهذا التشبيه وجعل التساؤل غاية للبعث مع ما تقدم من دعائهم لدى ورود الكهف وإنامتهم إثر ذلك يدل على أنهم إنما بعثوا من نومتهم ليتساءلوا فيظهر لهم حقيقة الامر، وإنما أنيموا ولبثوا في نومتهم دهرا ليبعثوا، وقد نومهم الله إثر دعائهم ومسألتهم رحمة من عند الله واهتداء مهيأ من أمرهم فقد كان أزعجهم استيلاء الكفر على مجتمعهم وظهور الباطل وإحاطة القهر والجبر وهجم عليهم اليأس والقنوط من ظهور كلمة الحق وحرية أهل الدين في دينهم فاستطالوا لبث الباطل في الأرض وظهوره على الحق كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه.
وبالجملة لما غلبت عليهم هذه المزعمة واستيأسوا من زوال غلبة الباطل أنامهم الله سنين عددا ثم بعثهم ليتساءلوا فيجيبوا بيوم أو بعض يوم ثم ينكشف لهم تحول الأحوال ومرور مآت من السنين عند غيرهم وهي بنظرة أخرى كيوم أو بعض يوم فيعلموا أن طول الزمان وقصره ليس بذاك الذي يميت حقا أو يحيى باطلا، وإنما هو الله سبحانه جعل ما على الأرض زينة لها وجذب إليها الانسان وأجرى فيها الدهور والأيام ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وليس للدنيا إلا أن تغر بزينتها طالبيها ممن أخلد إلى الأرض واتبع هواه.
وهذه حقيقة لا تزال لائحة للانسان كلما انعطف على ما مرت عليه من أيامه السالفة وما جرت عليه من الحوادث حلوها ومرها وجدها كطائف في نومة أو سنة في مثل يوم غير أن سكر الهوى والتلهي بلهو الدنيا لا يدعه أن ينتبه للحق فيتبعه لكن لله سبحانه على الانسان يوم لا يشغله عن مشاهدة هذه الحقيقة شاغل من زينة الدنيا