بعضهم لبعض وإشفاق بعضهم على بعض فقد تقدم أن قول القائلين: " ربكم أعلم بما لبثتم " تنبيه ودلالة على موقع من التوحيد أعلى وأرفع درجي مما يدل عليه قول الآخرين " لبثنا يوما أو بعض يوم ".
ثم قول القائل: " فابعثوا " حيث عرض بعث الرسول على الجميع ولم يستبد بقول:
ليذهب أحدكم وقوله: " أحدكم ولم يقل اذهب يا فلان أو ابعثوا فلانا وقوله: " بورقكم هذه " فأضاف الورق إلى الجميع كل ذلك دليل المواخاة والمساواة.
ثم قوله: " فلينظر أيها أزكى طعاما " الخ وقوله: " وليتلطف " الخ نصح وقوله " إنهم إن يظهروا عليكم " الخ نصح لهم وإشفاق على نفوسهم بما هم مؤمنون على دينهم.
وقوله تعالى: " بورقكم هذه " على ما فيه من الإضافة والإشارة المعينة لشخص الورق مشعر بعناية خاصة بذكرها فإن سياق استدعاء أن يبعثوا أحدا لاشتراء طعام لهم لا يستوجب بالطبع ذكر الورق التي يشترى بها الطعام والإشارة إليها بشخصها ولعلها إنما ذكرت في الآية مع خصوصيه الإشارة لأنها كانت هي السبب لظهور أمرهم وانكشاف حالهم لأنها حين أخرجها رسومها ليدفعها ثمنا للطعام كانت من مسكوكات عهد مرت عليها ثلاثة قرون وليس في آيات القصة ما يشعر بسبب ظهور أمرهم وانكشاف حالهم إلا هذه اللفظة.
قوله تعالى: " وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم " قال في المفردات: عثر الرجل يعثر عثرا وعثورا إذا سقط ويتجوز به فيمن يطلع على أمر من غير طلبه قال تعالى: فإن عثر على أنهما استحقا إثما. يقال عثرت على كذا قال: " وكذلك أعثرنا عليهم " أي وقفناهم عليهم من غير أن طلبوا. انتهى.
والتشبيه في قوله: " وكذلك أعثرنا عليهم " كنظيره في قوله: " وكذلك بعثناهم " أي وكما أنساهم دهرا ثم بعثناهم لكذا وكذا كذلك أعثرنا عليهم ومفعول أعثرنا هو الناس المدلول عليه بالسياق كما يشهد به ذيل الآية وقوله: " ليعلموا أن وعد الله حق