مغايرة الروح البدن ومفارقتها له عند الموت لكنه لا يرى البعث وربما رأى التناسخ.
فحدوث مثل هذه الحادثة في مثل تلك الحال لا يدع ريبا لأولئك الناس أنها آية إلهية قصد بها إزالة الشك عن قلوبهم في أمر البعث بالدلالة بالمماثل على المماثل ورفع الاستبعاد بالوقوع.
ويقوى هذا الحدس منهم ويشتد بموتهم بعيد الانبعاث فلم يعيشوا بعده إلا سويعات لم تسع أزيد من اطلاع الناس على حالهم واجتماعهم عليهم واستخبارهم عن قصتهم وإخبارهم بها.
ومن هنا يظهر وجه آخر لقوله تعالى: " إذ يتنازعون بينهم أمرهم " وهو رجوع الضميرين الأولين إلى الناس والثالث إلى أصحاب الكهف وكون " إذ " ظرفا لقوله " ليعلموا " ويؤيده قوله بعده: " ربهم أعلم: بهم " على ما سيجئ.
والاعتراض على هذا الوجه أولا: بأنه يستدعي كون التنازع بعد الاعثار وليس كذلك، وثانيا بأن التنازع كان قبل العلم وارتفع به فكيف يكون وقته وقته، مدفوع بأن التنازع على هذا الوجه في الآية هو تنازع الناس في أمر أصحاب الكهف وقد كان بعد الاعثار ومقارنا للعلم زمانا، والذي كان قبل الاعثار وقبل العلم هو تنازعهم في أمر البعث وليس بمراد على هذا الوجه.
وقوله تعالى: " فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم " القائلون هم المشركون " من القوم بدليل قوله بعده: " قال الذين غلبوا على أمرهم " والمراد ببناء البنيان " عليهم على ما قيل أن يضرب عليهم ما يجعلون به وراءه ويسترون عن الناس فلا يطلع عليهم مطلع منهم كما يقال: بنى عليه جدارا إذا حوطه وجعله وراءه.
وهذا الشطر من الكلام بانضمامه إلى ما قبله من قوله: " وكذلك بعثناهم " " وكذلك أعثرنا عليهم " يلوح إلى تمام القصة كأنه قيل: ولما أن جاء رسولهم إلى المدينة وقد تغيرت الأحوال وتبدلت الأوضاع بمرور ثلاثة قرون على دخولهم في الكهف وانقضت سلطة الشرك وألقي زمام المجتمع إلى التوحيد وهو لا يدري لم يلبث دون أن ظهر أمره وشاع خبره فاجتمع عليه الناس ثم هجموا وازدحموا على باب الكهف فاستنبؤوهم قصتهم