العباد المقربين، والجميع منا ومنهم يعرفونه بأسمائه وصفاته وآثاره كل على قدر طاقته فله أن يتوجه إليه بالعبادة على قدر معرفته.
على أن جميع الصفات الموجبة لاستحقاق العبادة من الخلق والرزق والملك والتدبير له وحده ولا يملك غيره شيئا من ذلك فله أن يعبد وليس لغيره ذلك.
ثم أردفوا قولهم: " لولا يأتون عليهم بسلطان بين " بقولهم " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا " وهو من تمام الحجة الرادة لقولهم، ومعناه أن عليهم أن يقيموا برهانا قاطعا على قولهم فلو لم يقيموه كان قولهم من القول بغير علم في الله وهو افتراء الكذب عليه تعالى، والافتراء ظلم والظلم على الله أعظم الظلم. هذا فقد دلوا بكلامهم هذا أنهم كانوا علماء بالله اولي بصيرة في دينهم، وصدقوا قوله تعالى " وزدناهم هدى " وفي الكلام على ما به من الايجاز قيود تكشف عن تفصيل نهضتهم في بادئها فقوله تعالى: " وربطنا على قلوبهم " يدل على أن قولهم: ربنا رب السماوات والأرض " الخ لم يكن بإسرار النجوى وفي خلا من عبدة الأوثان بل كان بإعلان القول والاجهار به في ظرف تذوب منه القلوب وترتاع النفوس وتقشعر الجلود في ملاء معاند يسفك الدماء ويعذب ويفتن.
وقوله: " لن ندعوا من دونه إلها " بعد قوله " ربنا رب السماوات والأرض.
- وهو جحد وإنكار - فيه إشعار وتلويح إلى أنه كان هناك تكليف إجباري بعبادة الأوثان ودعاء غير الله.
وقوله: " إذ قاموا فقالوا " إلخ يشير إلى أنهم في بادئ قولهم كانوا في مجلس يصدر عنه الامر بعبادة الأوثان والاجبار عليها والنهي عن عبادة الله والسياسة المنتحلية بالقتل والعذاب كمجلس الملك أو ملاه أو ملا عام كذلك فقاموا وأعلنوا مخالفتهم وخرجوا واعتزلوا القوم وهم في خطر عظيم يهددهم ويهجم عليهم من كل جانب كما يدل عليه قولهم: " وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله فأووا إلى الكهف.
هذا يؤيد ما وردت به الرواية - وسيجئ الخبر أن ستة منهم كانوا من خواص الملك يستشيرهم في أموره فقاموا من مجلس وأعلنوا التوحيد ونفي الشريك عنه تعالى.