مرتاحين في نومتهم مستفيدين من روح الهواء المتحول عليهم بالشروق والغروب وهم في فجوة منه، ولعل تنكير فجوة للدلالة على وصف محذوف والتقدير وهم في فجوة منه لا يصيبهم فيه شعاعها.
وقد ذكر المفسرون أن الكهف كان بابه مقابلا للقطب الشمالي يسامت بنات النعش، والجانب الأيمن منه ما يلي المغرب ويقع عليه شعاع الشمس عند طلوعها والجانب الأيسر منه ما يلي المشرق وتناله الشمس عند غروبها، وهذا مبني على أخذ جهتي اليمين والشمال للكهف باعتبار الداخل فيه، وكأن ذلك منهم تعويلا على ما هو المشهور أن هذا الكهف واقع في بلدة إفسوس من بلاد الروم الشرقي فإن الكهف الذي هناك قطبي يقابل بابه القطب الشمالي متمايلا قليلا إلى المشرق على ما يقال.
والمعمول في اعتبار اليمين واليسار لمثل الكهف والبيت والفسطاط وكل ما له باب أن يؤخذا باعتبار الخارج منه دون الداخل فيه فإن الانسان أول ما أحس الحاجة إلى اعتبار الجهات أخذها لنفسه فسمى ما يلي رأسه وقدمه علوا وسفلا وفوق وتحت وسمى ما يلي وجهه قدام وما يقابله خلف، وسمى الجانب القوى منه وهو الذي فيه يده القوية يمينا، والذي يخالفه شمالا ويسارا ثم إذا مست الحاجة إلى اعتبار الجهات في شئ فرض الانسان نفسه مكانه فما كان من أطراف ذلك الشئ ينطبق عليه الوجه وهو الطرف الذي يستقبل به الشئ غيره تعين به قدامه وبما يقاطره خلفه وبما ينطبق عليه يمين الانسان من أطرافه يمينه وكذا بيسار الانسان يساره.
وإذ كان الوجه في مثل البيت والدار والفسطاط وكل ما له باب طرفه الذي فيه الباب كان تعين يمينه ويساره باعتبار الخارج من الباب دون الداخل منه، وعلى هذا يكون الكهف الذي وصفته الآية بما وصفت جنوبيا يقابل بابه القطب الجنوبي لا كما ذكروه، وللكلام تتمة ستوافيك إنشاء الله.
وعلى أي حال كان وضعهم هذا من عناية الله ولطفه بهم ليستبقيهم بذلك حتى يبلغ الكتاب أجله، واليه الإشارة بقوله عقيبه: " ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وقوله: " وتحسبهم أيقاظا وهم رقود " الايقاظ جمع يقظ ويقظان والرقود جمع