ولا ينافي ذلك ما سيأتي من الروايات أنهم كانوا يسرون إيمانهم ويعملون بالتقية لجواز أن يكونوا سائرين عليها ثم يفاجؤوا القوم بإعلان الايمان ثم يعتزلوهم من غير مهل فلم تكن تسعهم إدامة التظاهر بالايمان وإلا قتلوا بلا شك.
وربما احتمل أن يكون المراد بقيامهم قيامهم لله نصرة منهم للحق وقولهم: " ربنا رب السماوات والأرض " الخ قولا منهم في أنفسهم وقولهم: وإذ اعتزلتموهم " الخ قولا منهم بعد ما خرجوا من المدينة، أو يكون المراد قيامهم لله " وجميع ما نقل من أقوالهم إنما قالوها فيما بين أنفسهم بعد ما خرجوا من المدينة وتنحوا عن القوم وعلى الوجهين يكون المراد بالربط على قلوبهم أنهم لم يخافوا عاقبة الخروج والهرب من المدينة وهجرة القوم لكن الاظهر هو الوجه الأول.
قوله تعالى: " وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف " إلى آخر الآية الاعتزال والتعزل التنحي عن أمر والنشر البسط والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس وبفتحهما المعاملة بلطف.
هذا هو الشطر الثاني من محاورتهم جرت بينهم بعد خروجهم من بين الناس واعتزالهم إياهم وما يعبدون من دون الله وتنحيهم عن الجميع يشير به بعضهم عليهم أن يدخلوا الكهف ويتستروا فيه من أعداء الدين.
وقد تفرسوا بهدي إلهي أنهم لو فعلوا ذلك عاملهم الله من لطفه ورحمته بما فيه نجاتهم من تحكم القوم وظلمهم والدليل على ذلك قولهم بالجزم: " فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته " الخ ولم يقولوا: عسى أن ينشر أو لعل.
وهذان اللذان تفرسوا بهما من نشر الرحمة وتهيئة المرفق هما اللذان سألوهما بعد دخول الكهف إذ قالوا - كما حكى الله " ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا ".
والاستثناء في قوله: وما يعبدون إلا الله " استثناء منقطع فإن الوثنيين لم يكونوا يعبدون الله مع سائر آلهتهم حتى يفيد الاستثناء إخراج بعض ما دخل أولا في المستثنى منه فيكون متصلا فقول بعضهم: إنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون