ثم إذا تم الاختبار قطع ما بينه وبين زخارف الدنيا المزينة ونقله من دار العمل إلى دار الجزاء قال تعالى: " ولو تري إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم - إلى أن قال: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " الانعام: 94.
فمحصل معنى الآية لا تتحرج ولا تأسف عليهم إذا عرضوا عن دعوتك بالانذار والتبشير واشتغلوا بالتمتع من أمتعة الحياة فما هم بسابقين ولا معجزين وإنما حقيقة حياتهم هذه نوع تسخير إلهي أسكناهم الأرض ثم جعلنا ما على الأرض زينة يفتتن الناظر إليها لتتعلق به نفوسهم فنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون هذا الذي زين لهم بعينه كالصعيد الجرز الذي ليس فيه نبت ولا شئ مما يرغب فيه النفس فالله سبحانه لم يشأ منهم الايمان جميعا حتى يكون مغلوبا بكفرهم بالكتاب وتماديهم في الضلال وتبخع أنت نفسك على آثارهم أسفا وإنما أراد بهم الابتلاء والامتحان وهو سبحانه الغالب فيما شاء وأراد.
وقد ظهر بما تقدم أن قوله: " وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " من الاستعارة بالكناية، والمراد به قطع رابطة التعلق بين الانسان وبين أمتعة الحياة الدنيا مما على الأرض.
وربما قيل: إن المراد به حقيقة معنى الصعيد الجرز، والمعنى أنا سنعيد ما على الأرض من زينة ترابا مستويا بالأرض، ونجعله صعيدا أملس لا نبات فيه ولا شئ عليه.
وقوله: " ما عليها " من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر وكان من طبع الكلام أن يقال: وإنا لجاعلوه، ولعل النكتة مزيد العناية بوصف كونه على الأرض.
" بحث روائي في تفسير العياشي عن البرقي رفعه عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام: لينذر بأسا شديدا من لدنه " قال البأس الشديد علي عليه السلام وهو من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتل معه عدوه فذلك قوله: " لينذر بأسا شديدا من لدنه ".