والآيات الثلاث تحكي الشطر الأول من محاورتهم حين انتهضوا لمخالفة الوثنية ومخاصمتهم إذ " قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا.
وقد أتوا بكلام مملوء حكمة وفهما راموا به إبطال ربوبية أرباب الأصنام من الملائكة والجن و المصلحين من البشر الذين رامت الفلسفة الوثنية إثبات ألوهيتهم وربوبيتهم دون نفس الأصنام التي هي تماثيل وصور لأولئك الأرباب تدعوها عامتهم آلهة وأربابا، ومن الشاهد على ذلك قوله: " عليهم " حيث أرجع إليهم ضمير " هم " المختص بأولي العقل.
فبدؤا بإثبات توحيده بقولهم: " ربنا رب السماوات والأرض " فأسندوا ربوبية الكل إلى واحد لا شريك له، والوثنية تثبت لكل نوع من أنواع الخلقية إلها وربا كرب السماء ورب الأرض ورب الانسان.
ثم أكدوا ذلك بقولهم: " لن ندعوا من دونه إلها " ومن فائدته نفى الالهة الذين تثبتهم الوثنية فوق أرباب الأنواع كالعقول الكلية التي تعبده الصابئة وبرهما وسيوا ووشنو الذين تعبدهم البراهمة والبوذية وأكدوه ثانيا بقولهم: " لقد قلنا إذا شططا " فدلوا على أن دعوة غيرة من التجاوز عن الحد بالغلو في حق المخلوق برفعه إلى درجة الخالق.
ثم كروا على القوم في عبادتهم غير الله سبحانه باتخاذهم آلهة فقالوا: هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فردوا قولهم بأنهم لا برهان لهم على ما يدعونه يدل عليه دلالة بينة.
وما استدلوا به من قولهم: إن الله سبحانه أجل من أن يحيط به إدراك خلقه فلا يمكن التوجه إليه بالعبادة ولا التقرب إليه بالعبودية فلا يبقى لنا إلا أن نعبد بعض الموجودات الشريفة من عباده المقربين ليقربونا إليه زلفى! مردود إليهم أما عدم إحاطة الادراك به تعالى فهو مشترك بيننا معاشر البشر وبين من يعبدونه من