وقوله: " وإذ هم نجوى " الخ ناظر إلى جعل الأكنة.
يقول تعالى: نحن أعلم بآذانهم التي يستمعون بها إليك وبقلوبهم التي ينظرون بها في أمرك - وكيف لا؟ وهو تعالى خالقها ومدبر أمرها فإخباره أنه جعل على قلوبهم أكنه وفى آذانهم وقرا أصدق وأحق بالقبول - فنحن أعلم بما يستمعون به وهو آذانهم في وقت يستمعون إليك، ونحن أعلم أي بقلوبهم إذ هم نجوى إذ يناجى بعضهم بعضا متحرزين عن الاجهار ورفع الصوت وهم يرون الرأي إذ يقول الظالمون أي يقول القائلون منهم وهم ظالمون في قولهم - إن تتبعون إلا رجلا مسحورا وهذا تصديق أنهم لم يفقهوا الحق.
وفى الآية إشعار بل دلاله على أنهم كانوا لا يأتونه صلى الله عليه وآله وسلم لاستماع القرآن علنا حذرا من اللائمة وإنما يأتونه متسترين مستخفين حتى إذا رأى بعضهم بعضا على هذا الحال تلاوموا بالنجوى خوفا أن يحس النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون بموقفهم فقال بعضهم لبعض إن تتبعون إلا رجلا مسحورا، وبهذا يتأيد ما ورد في أسباب النزول بهذا المعنى، وسنورده إن شاء الله في البحث الروائي الآتي.
قوله تعالى: " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " المثل بمعنى الوصف، وضرب الأمثال التوصيف بالصفات ومعنى الآية ظاهر، وهى تفيد أنهم لا مطمع في إيمانهم كما قال تعالى: " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " يس: 10.
قوله تعالى: وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا " قال في المجمع: الرفات ما تكسر وبلى من كل شئ، ويكثر بناء فعال في كل ما يحطم ويرضض يقال حطام ودقاق وتراب وقال المبرد: كل شئ مدقوق مبالغ في دقه حتى انسحق فهو رفات انتهى.
في الآية مضى في بيان عدم فقههم بمعارف القرآن حيث استبعدوا البعث وهو من أهم ما يثبته القرآن وأوضح ما قامت عليه الحجج من طريق الوحي والعقل حتى وصفه الله في مواضع من كلامه بأنه " لا ريب فيه " وليس لهم حجة على نفيه غير أنهم استبعدوه استبعادا.