التسبيح الذي لا يزال كل شئ مشتغلا به حتى نفسه بجميع أركان وجوده بأبلغ بيان، مخطئ من حقه أن يؤاخذ به لكن الله سبحانه بحلمه ومغفرته لا يعاجله ويعفو عن ذلك إن شاء.
وهو وجه حسن ولازمه أن يكون الانسان في وسعه أن يفقه هذا التسبيح من نفسه ومن غيره، ولعلنا نوفق لبيانه إن شاء الله في موضع يليق به.
قوله تعالى: " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا " ظاهر توصيف الحجاب بالمستور أنه حجاب مستور عن الحواس على خلاف الحجابات المتداولة بين الناس المعمولة لستر شئ عن شئ فهو حجاب معنوى مضروب بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنه قار للقرآن حامل له وبين المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة يحجبه عنهم فلا يستطيعون يفقهوا حقيقة ما عنده من معارف القرآن ويؤمنوا به ولا أن يذعنوا بأنه رسول من الله جاءهم بالحق، ولذلك تولوا عنه إذا ذكر الله وحده وبالغوا في إنكار المعاد ورموه بأنه رجل مسحور، والآيات التاليه تؤيد هذا المعنى. وإنما وصف المشركين بقوله: " الذين لا يؤمنون بالآخرة " لان إنكار الآخرة يلغو معه الايمان بالله وحده وبالرسالة فالكفر بالمعاد يستلزم الكفر بجميع أصول الدين، وليكون تمهيدا لما سيذكر من إنكارهم البعث.
والمعنى: إذا قرأت القرآن وتلوته عليهم جعلنا بينك وبين المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة - وفى توصيفهم بذلك ذم لهم - حجابا معنويا محجوبا عن فهمهم فلا يسعهم أن يسمعوا ذكره تعالى وحده، ولا أن يعرفوك بالرسالة الحقة ولا أن يؤمنوا بالمعاد ويفقهوا حقيقته. وللقوم في قوله: " حجابا مستورا أقوال أخر فعن بعضهم أن " مفعول " فيه للنسب أي حجابا ذا ستر نظير قولهم رجل مرطوب ومكان مهول وجارية مغنوجة أي ذو رطوبة وذو هول وذات غنج، ومنه قوله تعالى وعده مأتيا " أي ذا إتيان والأكثر في ذلك أن يجئ على فاعل كلابن وتامر.