ومن أعظم ما يزين في قلوبهم هذا الاستبعاد زعمهم أن الموت فناء للانسان ومن المستبعد أن يتكون الشئ عن عدم بحت كما قالوا: أإذا كنا عظاما ورفاتا بفساد أبداننا عن الموت حتى إذا لم يبق منها إلا العظام ثم رمت العظام وصارت رفاتا أإنا لفى خلق جديد نعود أناسى كما كنا؟ ذلك رجع بعيد ولذلك رده سبحانه إليهم بتذكيرهم القدرة المطلقة والخلق الأول كما سيأتي.
قوله تعالى: " قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم " جواب عن استبعادهم، وقد عبروا في كلامهم بقولهم: " أإذا كنا " فأمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمرهم أمر تسخير أن يكونوا حجارة أو حديدا " الخ " مما تبديله إلى الانسان أبعد وأصعب عندهم من تبديل العظام الرفات إليه.
فيكون إشارة إلى أن القدرة المطلقة الإلهية لا يشقها شئ تريد تجديد خلقه سواء أكان عظاما ورفاتا أو حجاره أو حديدا أو غير ذلك.
والمعنى: قل لهم ليكونوا شيئا أشد من العظام والرفات حجارة أو حديدا أو مخلوقا آخر من الأشياء التي تكبر في صدورهم ويبالغون في استبعاد أن يخلق منه الانسان - فليكونوا ما شاءوا فإن الله سيعيد إليهم خلقهم الأول ويبعثهم.
قوله تعالى: " فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مره " أي فإذا أجبت عن استبعادهم بأنهم مبعوثون أياما كانوا وإلى أي حال وصفة تحولوا سيسألونك ويقولون من يعيدنا إلى ما كنا عليه من الخلقة الانسانية؟ فاذكر لهم الله سبحانه وذكرهم من وصفه بما لا يبقى معه لاستبعادهم محل وهو فطره إياهم أول مره ولم يكونوا شيئا وقل: يعيدكم الذي خلقكم أول مره.
ففي تبديل لفظ الجلالة من قوله: " الذي خلقكم أول مرة " إثبات الامكان ورفع الاستبعاد بإراءة المثل.
قوله تعالى: " فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا " قال الراغب: الانغاض تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجب منه. انتهى.
والمعنى: فإذا قرعتهم بالحجة وذكرتهم بقدرة الله على كل شئ وفطره إياهم أول