لعبادي يقولوا " الخ أي مرهم أن يقولوا فهو أمر وجواب أمر مجزوم، وقوله: " التي هي أحسن " أي الكلمة التي هي أحسن، وهو اشتمالها على الأدب الجميل وتعريها عن الخشونة والشتم وسوء الامر.
الآية وما بعدها من الآيتين ذات سياق واحد وخلاصه مضمونها الامر باحسان القول ولزوم الأدب الجميل في الكلام تحرزا عن نزغ الشيطان وليعلموا ان الامر إلى مشية الله لا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يرفع القلم عن كل من آمن به وانتسب إليه ويتأهل للسعادة، فله ما يقول، وله أن يحرم غيره كل خير ويسئ القول فيه فما للانسان الا حسن سريرته وكمال أدبه وقد فضل الله بذلك بعض الأنبياء على بعض وخص داود بإيتاء الزبور الذي فيه أحسن القول وجميل الثناء على الله سبحانه.
ومن هنا يظهر ان المؤمنين قبل الهجرة ربما كانوا يحاورون المشركين فيغلظون لهم في القول ويخاشنونهم بالكلام وربما جبهوهم بأنهم أهل النار، وانهم معشر المؤمنين أهل الجنة ببركة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان ذلك يهيج المشركين عليهم ويزيد في عداوتهم ويبعثهم إلى المبالغة في فتنتهم وتعذيبهم وايذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعناد مع الحق.
فأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمرهم يقول التي هي أحسن والمقام مناسب لذلك فقد تقدم آنفا حكاية إساءة الأدب من المشركين إلى النبي وتسميتهم إياه رجلا مسحورا واستهزائهم بالقرآن وبما فيه من معارف المبدء والمعاد، وهذا هو وجه اتصال الآيات الثلاث بما قبلها واتصال بعض الثلاث ببعض فافهم ذلك.
فقوله: " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن " أمر بالامر والمامور به قول الكلمة التي هي أحسن فهو نظير قوله: " وجادلهم بالتي هي أحسن: " النحل: 125 وقوله:
إن الشيطان ينزغ بينهم " تعليل للامر، وقوله: " ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا " تعليل لنزغ الشيطان بينهم.
وربما قيل: إن المراد بقول التي هي أحسن الكف عن قتال المشركين ومعاملتهم بالسلم والخطاب للمؤمنين بمكة قبل الهجرة فالآية نظيرة قوله: " وقولوا للناس حسنا " البقرة: 83 على ما ورد في أسباب النزول، وأنت خبير بأن سياق التعليل في الآية لا يلائمه.