قوله تعالى: " ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو أن يشا يعذبكم وما جعلناك عليهم وكيلا " قد تقدم أن الآية وما بعدها تتمة السياق السابق وعلى ذلك فصدر الآية من تمام كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أمر بإلقائه على المؤمنين بقوله: " قل لعبادي يقولوا " الخ وذيل الآية خطاب للنبي خاصه فلا التفات في الكلام.
ويمكن أن يكون الخطاب في صدر الآية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين جميعا بتغليب جانب خطابه على غيبتهم، وهذا أنسب بسياق الآية السابقة وتلاحق الكلام والكلام لله جميعا.
وكيف كان فقوله: " ربكم أعلم بكم ان يشا يرحمكم أو ان يشا يعذبكم " في مقام تعليل الامر السابق ثانيا، ويفيد أنه يجب على المؤمنين أن يتحرزوا من اغلاظ القول على غيرهم والقضاء بما الله أعلم به من سعادة أو شقاء كأن يقولوا: فلان سعيد بمتابعة النبي وفلان شقى وفلان من أهل الجنة وفلان من أهل النار وعليهم أن يرجعوا الامر ويفوضوه إلى ربهم فربكم - والخطاب للنبي وغيره - أعلم بكم وهو يقضى فيكم على ما علم من استحقاق الرحمة أو العذاب إن يشأ يرحمكم ولا يشاء ذلك الا مع الايمان والعمل الصالح على ما بينه في كلامه أو ان يشأ يعذبكم ولا يشاء ذلك الا مع الكفر والفسوق، وما جعلناك أيها النبي عليهم وكيلا مفوضا إليه أمرهم حتى تختار لمن تشاء ما تشاء فتعطى هذا وتحرم ذاك.
ومن ذلك يظهر أن الترديد في قوله: " ان يشأ يرحمكم أو ان يشأ يعذبكم، باعتبار المشية المختلفة باختلاف الموارد بالايمان والكفر والعمل الصالح والطالح وأن قوله: " وما أرسلناك عليهم وكيلا " لردع المؤمنين عن أن يعتمدوا في نجاتهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والانتساب إلى قبول دينه نظير قوله ليس: بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به: النساء: 123 وقوله: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم " البقرة: 62 وآيات أخرى في هذا المعنى.
وفى الآية أقوال أخر تركنا التعرض لها لعدم الجدوى.
قوله تعالى: " وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا " صدر الآية توسعة في معنى التعليل السابق كأنه قيل: