بألفاظ موضوعة وأصوات مقروعة كما تقدمت الإشارة إليه وقد تقدم في آخر الجزء الثاني من الكتاب كلام في الكلام نافع في المقام.
فقوله تعالى: " تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن " يثبت لها تسبيحا حقيقيا وهو تكلمها بوجودها وما له من الارتباط بسائر الموجودات الكائنة وبيانها تنزه ربها عما ينسب إليه المشركون من الشركاء وجهات النقص.
وقوله: " وإن من شئ إلا يسبح بحمده " تعميم التسبيح لكل شئ وقد كانت الجملة السابقة عدت السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وتزيد عليها بذكر الحمد مع التسبيح فتفيد أن كل شئ كما يسبحه تعالى كذلك يحمده بالثناء عليه بجميل صفاته وأفعاله.
وذلك أنه كما أن عند كل من هذه الأشياء شيئا من الحاجة والنقص عائدا إلى نفسه كذلك عنده من جميل صنعه ونعمته تعالى شئ راجع إليه تعالى موهوب من لدنه، وكما أن إظهار هذه الأشياء لنفسها في الوجود إظهار لحاجتها ونقصها وكشف عن تنزه ربها عن الحاجة والنقص، وهو تسبيحها كذلك ابرازها لنفسها ابراز لما عندها من جميل فعل ربها الذي وراءه جميل صفاته تعالى فهو حمدها فليس الحمد إلا الثناء على الجميل الاختياري فهى تحمد ربها كما تسبحه وهو قوله: " وإن من شئ الا يسبح بحمده ".
وبلفظ آخر إذا لوحظ الأشياء من جهة كشفها عما عند ربها بابرازها ما عند من الحاجة والنقص مع ما لها من الشعور بذلك كان ذلك تسبيحا منها، وإذا لوحظت من جهة كشفها ما لربها باظهارها ما عندها من نعمه الوجود وسائر جهات الكمال فهو حمد منها لربها وإذا لوحظ كشفها ما عند الله سبحانه من صفه جمال أو جلال مع قطع النظر عن علمها وشعورها بما تكشف عنه كان ذلك دلالة منها عليه تعالى وهى آياته.
وهذا نعم الشاهد على أن المراد بالتسبيح في الآية ليس مجرد دلالتها عليه تعالى بنفي الشريك وجهات النقص فإن الخطاب في قوله: " ولكن لا تفقهون تسبيحهم " إما للمشركين وإما للناس أعم من المؤمن والمشرك وهم على أي حال يفقهون دلالة الأشياء