تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٨٣
مكتوب على الأمم قضاء بينهم وبين رسولهم حتى هذه الأمة المحمدية وقد تكرر هذا الوعيد منه تعالى في عدة مواضع من كلامه.
وهذا هو اليوم الذي يطهر الله الأرض فيه من قذارة الشرك والظلم ولا يعبد عليها يومئذ الا الله سبحانه فان الدعوة عامة والأمة هم أهل الأرض فإذا محى الله عنهم الشرك لم يبق منهم الا المؤمنون ويكون الدين كله لله قال تعالى: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون ".
ومما تقدم يظهر الجواب عما اورد على كون المراد بالعذاب في الآية عذاب الاستئصال ان القصر في الآية السابقة ينافيه فان قوله انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار يقصر اخذهم وعقابهم في يوم القيامة.
وذلك لما عرفت ان العذاب المنذر به في الآيتين السابقتين هو العذاب الذي لا يصرفه عنهم صارف ولا يتخلف عنه أحد من الظالمين وهو مقصور في عذاب يوم القيامة ولا ينافي انحصاره في يوم القيامة وجود نوع آخر من العذاب في الدنيا.
على أن القصر لو تم على ما يريده المعترض لدفع ما يدل عليه الآيات الكثيرة الدالة على نزول العذاب بهذه الأمة كما أشرنا إليه.
على أن حمل العذاب في الآية على عذاب يوم القيامة يوجب صرف الآيات عن ظهورها ورفع اليد عما يعطيه السياق فيها ولا مساغ له.
وقوله: " فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى اجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل " المراد به الظالمون من الناس وهم الذين يأخذهم العذاب المستأصل ولا يتخطاهم ومرادهم بقولهم اخرنا إلى اجل قريب الاستمهال بمدة قصيرة تضاف إلى عمرهم في الدنيا حتى يتداركوا فيه ما فوتوه بظلمهم والدليل عليه قولهم نجب دعوتك ونتبع الرسل.
والتعبير بالرسل بلفظ الجمع في قولهم ونتبع الرسل مع أن الآية تصف حال ظالمي هذه الأمة ظاهرا وكان مقتضى ذلك أن يقان ونتبع الرسول انما هو للدلالة على أن الملاك في نزول هذا العذاب القضاء بين الرسالة وبين منكريها من غير اختصاص ذلك برسول دون رسول كما يفيده قوله: " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست