وقيل المراد بالمغفرة والرحمة الستر على الشرك في الدنيا والرحمة بعدم معاجلة العقاب فالمعنى ومن عصاني بالإقامة على الشرك فاستر عليه ذلك وارحمه بتأخير العقاب عنه وقيل إن الكلام على ظاهره وكان ذلك منه عليه السلام قبل أن يعلم أن الله لا يغفر الشرك ولا نقص بجهل ذلك لان مغفرة لشرك جائزة عقلا وانما منع منها الدليل السمعي وليس من الواجب ان يعلم بجميع الأدلة السمعية في يوم واحد وقيل المراد بالمعصية ما دون الشرك.
وهذه أجوبة فاسدة اما الأول فلان دعوى كون الشرك جائز المغفرة في الشرائع السابقة دعوى لا دليل عليها بل الدليل على خلافها فقد خاطب الله آدم عليه السلام بمثل قوله وهو أول الشرائع السابقة: " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة: 39 وحكى عن المسيح عليه السلام وشريعته آخر الشرائع السابقة قوله: " انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار " المائدة: 72 والتدبر في آيات القيامة والجنة والنار وفي آيات الشفاعة وفي دعوات الأنبياء المحكية في القرآن لا يدع شكا في إن الشرك لا نجاة لصاحبه بشفاعة أو غيره الا بالتوبة قبل الموت.
واما الثاني فلان تقييد المغفرة والرحمة بالتوبة تقييد من غير مقيد على أن تقييد المعصية بالتوبة يفسد المعادلة في قوله فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني الخ فان العاصي التائب يعود ممن تبعه ويلحق به عليه السلام فلا يبقى للمعادلة أزيد من طرف واحد.
واما الثالث والرابع فلما فيهما من ارتكاب خلاف الظاهر فان ظاهر طلب المغفرة للعاصي أن يغفر الله له حينما هو عاص لا ان يغفر الله له بعد خروجه بالتوبة عن المعصية إلى الطاعة وكذا ظاهر مغفرة العصيان رفع تبعات معصيته مطلقا أو في الآخرة واما رفع التبعة الدنيوية فقد فأمر بعيد عن الفهم.
واما الخامس فهو أبعد الوجوه وكيف يجوز الاجتراء على مثل الخليل عليه السلام وهو في أواخر عمره كما تقدم ان يجهل ما هو من واضحات المعارف الدينية ثم يجرى على جهله فيشفع عند ربه للمشركين ويسال لهم المغفرة من غير أن يستأذن الله في ذلك ولو استأذنه لأنبأه ان ذلك مما لا يكون ثم يورد الله سبحانه في كلامه ما ارتكبه