إذا عرفت هذا علمت أن ما ينسب إليه تعالى في الكتاب والسنة من الانتقام هو ما كان حقا من حقوق الدين الإلهي والشريعة السماوية وان شئت فقل من حقوق المجتمع الاسلامي وان كان ربما استصحب الحق الفردى فيما إذا انتصف سبحانه للمظلوم من ظالمه فهو الولي الحميد.
واما الانتقام الفردى المبنى على الاحساس لغاية التشفي فساحته المقدسة أعز من أن يتضرر بإجرام المجرمين ومعصية المسيئين أو ينتفع بطاعة المحسنين.
ومن هنا يظهر سقوط ما ربما استشكله بعضهم ان الانتقام انما يكون لتشفى القلب وإذ كان تعالى لا ينتفع ولا يتضرر بشئ من اعمال عباده خيرا أو شرا طاعة أو معصية فلا وجه لنسبة الانتقام إليه كما أن رحمته غير المتناهية تأبى ان يعذبهم بعذاب خالد غير متناه كيف لا؟ والواحد من أرباب الرحمة يرحم المجرم المقدم على أي معصية إذا كان عن جهالة منه وهو تعالى يصف الانسان وهو مخلوقه المعلوم له حاله بذلك إذ يقول: " إنه كان ظلوما جهولا " الأحزاب 72.
وجه السقوط ان فيه خلطا بين الانتقام الفردى والاجتماعي والذي يثبت فيه تعالى هو الاجتماعي منه دون الفردى كما توهم كما أن فيه خلطا بين الرحمة النفسانية التي هي تأثر وانفعال قلبى من الانسان وبين الرحمة العقلية التي هي تتميم نقص الناقص المستعد لذلك والتي تثبت فيه تعالى هي الرحمة العقلية دون الرحمة النفسانية ولم يثبت الخلود في العذاب الا فيما إذا بطل استعداد الرحمة وامكان الإفاضة قال تعالى: " بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة: 81.
وههنا نكتة يجب ان تتنبه لها وهى إن الذي تقدم من معنى الانتقام المنسوب إليه تعالى انما يتأتى على مسلك المجازاة والثواب والعقاب واما على مسلك نتائج الأعمال فترجع حقيقته إلى لحوق الصور السيئة المؤلمة بالنفس الانسانية عن الملكات الرديئة التي اكتسبتها في الحياة الدنيا بعد الموت وقد تقدم البحث في الجزء الأول من الكتاب في ذيل قوله تعالى: " ان الله لا يستحى ان يضرب مثلا ما " الآية البقرة 26 في جزاء الأعمال.
قوله تعالى: " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد