السبت فجعله الله عليهم تشديدا فالاختلاف اختلاف سابق على الجعل لا لاحق به وربما جعل في للتعليل فان الاختلاف على هذا لم يقع في السبت بل من اجل السبت.
وربما قيل الاختلاف بمعنى المخالفة فإنهم خالفوا نبيهم في السبت ولم يختلفوا فيه.
وربما قيل إنهم أمروا باتخاذ الجمعة من غير تعيين ووكل ذلك إلى اجتهادهم فاختلفت أحبارهم في تعيينه ولم يهدهم الله إليه ووقعوا في السبت.
وربما قيل إن المراد انهم اختلفوا فيما بينهم في شأن السبت فطائفة منهم فضلته على الجمعة وطائفة منهم عكست الامر وفضلت الجمعة عليه إلى غير ذلك مما قيل والأصل في ذلك ما ورد في بعض الروايات من القصة.
وأنت خبير بأن شيئا من الأقوال لا ينطبق على لفظ الآية ذاك الانطباق فالمصير إلى ما قدمناه.
قوله تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " إلى آخر الآية لا شك في أنه يستفاد من الآية إن هذه الثلاثة الحكمة والموعظة والمجادلة من طرق التكليم والمفاوضة فقد أمر بالدعوة بأحد هذه الأمور فهى من انحاء الدعوة وطرقها وإن كان الجدال لا يعد دعوة بمعناها الأخص.
وقد فسرت الحكمة كما في المفردات بأصالة الحق بالعلم والعقل والموعظة كما عن الخليل بأنه التذكير بالخير فيما يرق له القلب والجدال كما في المفردات بالمفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة.
والتأمل في هذه المعاني يعطى ان المراد بالحكمة والله أعلم الحجة التي تنتج الحق الذي لا مرية فيه ولا وهن ولا ابهام والموعظة هو البيان الذي تلين به النفس ويرق له القلب لما فيه من صلاح حال السامع من الغبر والعبر وجميل الثناء ومحمود الأثر ونحو ذلك.
والجدال هو الحجة التي تستعمل لفتل الخصم عما يصر عليه وينازع فيه من غير أن يريد به ظهور الحق بالمؤاخذة عليه من طريق ما يتسلمه هو والناس أو يتسلمه هو وحده في قوله أو حجته.