تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٧٤
وكذا ما ذكره بعضهم إن المجادلة بالتي هي أحسن ليست من الدعوة في شئ بل الغرض منها شئ آخر مغاير لها وهو الالزام والافحام قال ولذلك لم يعطف الجدال في الآية على ما تقدمه بل غير السياق وقيل وجادلهم بالتي هي أحسن.
وفيه غفلة عن حقيقة القياس الجدلي فالافحام وان كان غاية للقياس الجدلي لكنه ليس غاية دائمية فكثيرا ما يتألف قياس من مقدمات مقبولة أو مسلمة وخاصة في الأمور العملية والعلوم غير اليقينية كالفقه والأصول والأخلاق و الفنون الأدبية ولا يراد به الالزام والافحام.
على أن في الالزام والافحام دعوة كما أن في الموعظة دعوة وان اختلفت صورتها باختلاف الطرق نعم تغيير السياق لما في الجدال من معنى المنازعة والمغالبة.
قوله تعالى: " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " قال في المفردات العقوبة والعقاب والمعاقبة تختص بالعذاب انتهى.
والأصل في معناه العقب وهو مؤخر الرجل وعقيب الشئ وعاقبة الامر ما يليه من ورائه أو آخره والتعقيب الاتيان بشئ عقيب شئ ومعاقبتك غيرك أن تأتى بما يسوؤه عقيب اتيانه بما يسوؤك فينطبق على المجازاة والمكافأة بالعذاب.
فقوله وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الخطاب فيه للمسلمين على ما يفيده السياق ولازمه ان يكون المراد بالمعاقبة مجازاة المشركين والكفار وبقوله عوقبتم به عقاب الكفار إياهم ومجازاتهم لهم بما آمنوا بالله ورفضوا آلهتهم.
والمعنى وان أردتم مجازاة الكفار وعذابهم فجازوهم على ما فعلوا بكم بمثل ما عذبوكم به مجازاة لكم على ايمانكم وجهادكم في الله.
وقوله ولئن صبرتم لهو خير للصابرين أي صبرتم على مر ما عوقبتم به ولم تعاقبوا ولم تكافؤا لهو خير لكم بما انكم صابرون لما فيه من ايثار رضى الله وثوابه فيما أصابكم من المحنة والمصيبة على رضى أنفسكم بالتشفي بالانتقام فيكون العمل خالصا لوجهه الكريم ولما في الصفح والعفو من اعمال الفتوة ولها آثارها الجميلة.
قوله تعالى: " واصبر وما صبرك إلا بالله " إلى آخر الآية أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر وبشرى له إن الله قواه على الصبر على مر ما يلقاه في سبيله فإنه تعالى يذكر إن
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 » »»
الفهرست