تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٦٢
تحذير عن كفران نعمة الله بعد إذ بذلت والكفر بآياته بعد إذ انزل وفيه توطئة وتمهيد لما سيذكره من محللات الاكل ومحرماته وينهى عن تشريع الحلال والحرام بغير اذن الله كل ذلك بالاستفادة من سياق الآيات فان كل سابقة منها تسوق النظر إلى اللاحقة.
وقيل إن هذه القرية هي مكة عذبهم الله بالجوع سبع سنين لما كفروا بأنعم الله وقد وسعها عليهم وكذبوا رسوله وقد أرسله إليهم فابتلوا بالقحط وكان يغار عليهم قوافلهم بسخط من الله سبحانه لما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكره في المجمع ونسبه إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة.
وفيه ان لا اشكال في أنه في نفسه يقبل الانطباق على ما ذكر لكن سياق الآيات انما يلائم كونه مثلا عاما مذكورا توطئة وتمهيدا لما بيناه.
فقوله ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا وصف القرية بثلاثة أوصاف متعاقبة غير أن الأوسط منها وهى الاطمئنان كالرابط بين الطرفين فان القرية إذا أمنت المخاطرات كمهاجمة الأشرار وشن الغارات وقتل النفوس وسبى الذراري ونهب الأموال وكذا أمنت الحوادث الطبيعية كالزلازل وغيرها اطمأنت وسكنت فلم يضطر أهلها إلى الجلاء والتفرق.
ومن كمال اطمئنانها ان يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ولا يلجأ أهلها إلى الاغتراب وقطع الفيافي وركوب البحار وتحمل المشاق البالغة في طلب الرزق وجلبه إليها.
فاتصاف القرية بصفاتها الثلاث المذكورة الامن والاطمئنان واتيان رزقها إليها من كل مكان يتم ويكمل لها جميع النعم المادية الصورية وسيضيف سبحانه إليها النعم المعنوية في الآية التالية ولقد جاءهم رسول منهم فهى قرية أتم اللة نعمة عليها وأكملها.
وقوله فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف التعبير بأنعم الله وهو جمع قلة للإشارة بها إلى الأصناف المذكورة وهى ثلاثة الامن والاطمئنان واتيان الرزق والإذاقة استعارة للايصال اليسير فإذاقة الجوع والخوف مشعر بأن الذي يوصلهما قادر على تضعيف ذلك وتكثيره بما لا يقدر بقدر كيف لا؟ وهو الله الذي له القدرة كلها.
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»
الفهرست