انفطارا أي قبل الفطر واستعمل في القرآن فيما انتسب إليه تعالى بمعنى الايجاد بنوع من العناية كأنه تعالى شق العدم شقا فأظهر من بطنه الأشياء فهى ظاهرة ما أمسك هو تعالى على شقى العدم موجوده ما كان ممسكا لها ولو ترك الامساك لانعدمت وزالت كما قال تعالى: " ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا ولئن زالتا ان أمسكها من أحد من بعده " فاطر: 41.
وعلى هذا فتفسير الفطر بالخلق الذي هو جمع الاجزاء والابعاض كما وقع في بعض العبارات ليس على ما ينبغي ويؤيد ذلك أن الفطر لو كان بمعنى الخلق لكان البرهان الذي أشير إليه بقوله فاطر السماوات والأرض مسوقا لاثبات وجود الخالق فكان أجنبيا عن المقام لان الوثنية لا تنكر وجود خالق للعالم وانه هو الله عز اسمه لا غير وانما ينكرون توحيد الربوبية والعبادة وهو ان يكون الله سبحانه هو الرب المعبود لا غير والبرهان على كونه تعالى خالقا للسماوات و الأرض لا ينفع فيه شيئا.
وكيف كان فقوله قالت رسلهم أفي الله شك الخ كلام قوبل به قولهم وقالوا انا كفرنا بما أرسلتم به وانا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب وقد عرفت ان قولهم هذا يتضمن انكارين انكارهم للرسالة وتشككهم في توحيد الربوبية فكلام الرسل المورد جوابا منهم عن قولهم بالمقابلة متضمن لجزءين.
فقولهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض برهان على توحيد الربوبية إذ لو سيق لمجرد الانكار على الكفار من غير إشارة إلى برهان لم يكن حاجة إلى ذكر الوصف فاطر السماوات والأرض ففي ذكره دلالة على أنه مزيل كل شك وريب عنه تعالى.
وذلك انا نرى في أول ما نعقل ان لهذا العالم المشهود الذي هو مؤلف من أشياء كثيرة كل واحد منها محدود في نفسه متميز من غيره وجودا وليس وجوده ولا وجود شئ من اجزائه من نفسه وقائما بذاته وإلا لم يتغير ولم ينعدم فوجوده ووجود اجزائه وكذا كل ما يرجع إلى الوجود من الصفات والآثار من غيرها ولغيرها وهذا الغير هو الذي نسميه الله عز اسمه.