تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٤٣
عنده بمقدار " الرعد: 8 وقوله: " الا امرأته قدرناها من الغابرين " النمل: 57 وقوله: " من أي شئ خلقه من نطفة خلقه فقدره " عبس: 19 وقوله: " إنا أنزلناه في ليلة القدر " إلى آخر السورة إلى غير ذلك من الآيات.
على أنه يرد عليه بعض ما اورد على الوجهين السابقين كتخصيص عموم شئ من غير مخصص وغير ذلك.
والذي يعطيه التدبر في الآية وما يناظرها من الآيات الكريمة إنها من غرر كلامه تعالى تبين ما هو أدق مسلكا وابعد غورا مما فسروها به وهو ظهور الأشياء بالقدر والأصل الذي لها قبل احاطته بها واشتماله عليها.
وذلك إن ظاهر قوله وان من شئ على ما به من العموم بسبب وقوعه في سياق النفي مع تأكيده بمن كل ما يصدق عليه انه شئ من دون ان يخرج منه الا ما يخرجه نفس السياق وهو ما تدل عليه لفظة نا وعند وخزائن وما عدا ذلك مما يرى ولا يرى مشمول للعام.
فشخص زيد مثلا وهو فرد انساني من الشئ ونوع من الانسان أيضا الموجود في الخارج بأفراده من الشئ والآية تثبت لذلك خزائن عند الله سبحانه فلننظر ما معنى كون زيد مثلا له خزائن عند الله؟
والذي يسهل الامر فيه انه تعالى يعد هذا الشئ المذكور نازلا من عنده والنزول يستدعى علوا وسفلا ورفعة وخفضة وسماء وارضا مثلا ولم ينزل زيد المخلوق مثلا من مكان عال إلى آخر سافل بشهادة العيان فليس المراد بانزاله إلا خلقه لكنه ذو صفة يصدق عليه النزول بسببها ونظير الآية قوله تعالى: " وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " الزمر: 6 وقوله: " وأنزلنا الحديد " الحديد: 25.
ثم قوله: " وما ننزله إلا بقدر معلوم " يقرن النزول وهو الخلقة بالقدر قرنا لازما غير جائز الانفكاك لمكان الحصر والباء اما للسببية أو الآلة أو المصاحبة والمال واحد فكينونة زيد وظهوره بالوجود انما هو بماله من القدر المعلوم فوجوده محدود لا محالة كيف؟ وهو تعالى يقول: " انه بكل شئ محيط " حم السجدة: 54 ولو لم يكن محدودا لم يكن محاطا له تعالى فمن المحال ان يحاط بما لا حد له ولا نهاية
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»
الفهرست