ويظهر من ذلك اولا ان هذا العلم يخالف سائر العلوم في أن اثره العملي وهو صرف الانسان عما لا ينبغي إلى ما ينبغي قطعي غير متخلف دائما بخلاف سائر العلوم فان الصرف فيها اكثري غير دائم قال تعالى: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل: 14 وقال : " أفرأيت من اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم " الجاثية: 23 وقال: " فما اختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " الجاثية: 17.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: " سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين " الصافات: 160 وذلك أن هؤلاء المخلصين من الأنبياء والأئمة (ع) قد بينوا لنا جمل المعارف المتعلقة بأسمائه تعالى وصفاته من طريق السمع وقد حصلنا العلم به من طريق البرهان أيضا والآية مع ذلك تنزهه تعالى عن ما نصفه به دون ما يصفه به أولئك المخلصون فليس الا ان العلم غير العلم وان كان متعلق العلمين واحدا من وجه.
وثانيا ان هذا العلم أعني ملكة العصمة لا يغير الطبيعة الانسانية المختارة في أفعالها الإرادية ولا يخرجها إلى ساحة الاجبار والاضطرار كيف؟ والعلم من مبادئ الاختيار ومجرد قوة العلم لا يوجب الا قوة الإرادة كطالب السلامة إذا أيقن بكون مانع ما سما قاتلا من حينه فإنه يمتنع باختياره من شربه قطعا وانما يضطر الفاعل ويجبر إذا اخرج من يجبره أحد طرفي الفعل والترك من الامكان إلى الامتناع.
ويشهد على ذلك قوله: " واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " الانعام: 88 تفيد الآية انهم في امكانهم ان يشركوا بالله وان كان الاجتباء والهدى الإلهي مانعا من ذلك وقوله: " يا أيها النبي بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته " المائدة : 67 إلى غير ذلك من الآيات.
فالانسان المعصوم انما ينصرف عن المعصية بنفسه ومن عن اختياره وارادته ونسبة الصرف إلى عصمته تعالى كنسبة انصراف غير المعصوم عن المعصية إلى توفيقه تعالى.
ولا ينافي ذلك أيضا ما يشير إليه كلامه تعالى ويصرح به الاخبار ان ذلك من الأنبياء والأئمة بتسديد من روح القدس فان النسبة إلى روح القدس كنسبة تسديد المؤمن إلى روح الايمان ونسبة الضلال والغواية إلى الشيطان وتسويله فان شيئا من ذلك لا يخرج الفعل عن كونه فعلا صادرا عن فاعله مستندا إلى اختياره وارادته فافهم ذلك.