قوله: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) فليس نصا في أن المراد بالأرض هذه الكرة كلها فإن المعروف من كلام الأنبياء والأقوام وفي أخبارهم أن تذكر الأرض ويراد بها أرضهم ووطنهم كقوله تعالى حكاية عن خطاب فرعون لموسى وهارون: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) يعنى ارض مصر، وقوله:
(وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) فالمراد بها مكة، وقوله:
(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) والمراد بها الأرض التي كانت وطنهم، والشواهد عليه كثيرة.
ولكن ظواهر الآيات تدل بمعونة القرائن والتقاليد الموروثة عن أهل الكتاب على أنه لم يكن في الأرض كلها في زمن نوح إلا قومه وانهم هلكوا كلهم بالطوفان ولم يبق بعده فيها غير ذريته، وهذا يقتضى ان يكون الطوفان في البقعة التي كانوا فيها من الأرض سهلها وجبلها لا في الأرض كلها إلا إذا كانت اليابسة منها في ذلك الزمن صغيرة لقرب العهد بالتكوين وبوجود البشر عليها فإن علماء التكوين وطبقات الأرض - الجيولوجية - يقولون إن الأرض كانت عند انفصالها من الشمس كرة نارية ملتهبة ثم صارت كرة مائية ثم ظهرت فيها اليابسة بالتدريج.
ثم أشار إلى ما استدل به بعض أهل النظر على عموم الطوفان لجميع الأرض من أنا نجد بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالي الجبال وهذه الأشياء مما لا تتكون إلا في البحر فظهورها في رؤس الجبال دليل على أن الماء قد صعد إليها مرة من المرات، ولن يكون ذلك حتى يكون قد عم الأرض هذا.
ورد عليه بأن وجود الأصداف والحيوانات البحرية في قلل الجبال لا يدل على أنه من اثر ذلك الطوفان بل الأقرب انه من اثر تكون الجبال وغيرها من اليابسة في الماء كما قلنا آنفا فإن صعود الماء إلى الجبال اياما معدودة لا يكفي لحدوث ما ذكر فيها.
ثم قال ما ملخصه: ان هذه المسائل التاريخية ليست من مقاصد القرآن ولذلك لم يبينها بنص قطعي فنحن نقول بما تقدم إنه ظاهر النصوص ولا نتخذه عقيدة دينية قطعية فإن أثبت علم الجيولوجية خلافه لا يضرنا لأنه لا ينقض نصا