السلام ما يدل عليه، وعلى أن أولى العزم من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وعليهم) كانوا مبعوثين إلى الناس كافة.
وأما أهل السنة فمنهم من قال بعموم رسالته مستندا إلى ظاهر الآيات الناطقة بشمول الطوفان لأهل الأرض كلهم كقوله: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) نوح: 26 وقوله: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) هود: 43، وقوله: (وجعلنا ذريته هم الباقين) الصافات: 77، وما ورد في الصحيح من حديث الشفاعة أن نوحا أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ولازمه كونه مبعوثا إليهم كافة.
ومنهم من أنكر ذلك مستندا إلى ما ورد في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) وأجابوا عن الآيات انها قابلة للتأويل فمن الجائز ان يكون المراد بالأرض هي التي كانوا يسكنونها وهى وطنهم كقول فرعون لموسى وهارون: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) يونس: 78.
فمعنى الآية الأولى: لا تذر على هذه الأرض من كافري قومي ديارا، وكذا المراد بالثانية: لا عاصم اليوم لقومي من أمر الله، والمراد بالثالثة: وجعلنا ذريته هم الباقين من قومه.
والحق أن البحث لم يستوف حقه في كلامهم، والذي ينبغي أن يقال: ان النبوة إنما ظهرت في المجتمع الانساني عن حاجة واقعية إليها ورابطة حقيقية بين الناس وبين ربهم وهى تعتمد على حقيقة تكوينية لا اعتبارية جزافية فإن من القوانين الحقيقية الحاكمة في نظام الكون ناموس تكميل الأنواع وهدايتها إلى غاياتها الوجودية، وقد قال تعالى: (الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) الاعلى: 3، وقال:
(الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) طه: 50.
فكل نوع من أنواع الكون متوجه منذ أول تكونه إلى كمال وجوده وغاية خلقه الذي فيه خيره وسعادته، والنوع الانساني أحد هذه الأنواع غير مستثنى من بينها فله كمال وسعادة يسير إليها ويتوجه نحوها أفراده فرادى ومجتمعين.