إلى غايته النوعية ويفسد ويموت قبل البلوغ إلى عمره الطبيعي.
وبالجملة فطريق النبوة مما لا مناص منه في تربية النوع بالنظر إلى العناية الإلهية وإلا لم تتم الحجة بمجرد العقل لان له شغلا غير الشغل وهو دعوة الانسان إلى ما فيه صلاح نفسه، ولو دعاه إلى شئ من صلاح النوع فإنما يدعوه إليه بما فيه صلاح نفسه فأفهم ذلك وأحسن التدبر في قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما) النساء: 165.
فمن الواجب في العناية أن ينزل الله على المجتمع الانساني دينا يدينون به وشريعة يأخذون بها في حياتهم الاجتماعية دون ان يخص بها قوما ويترك الآخرين سدى لا عناية بهم، ولازمه الضروري أن يكون أول شريعة نزلت عليهم شريعة عامة.
وقد أخبر الله سبحانه عن هذه الشريعة بقوله عز من قائل: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) البقرة: 213، فبين أن الناس كانوا أول ما نشأوا وتكاثروا على فطرة ساذجة لا يظهر فيهم أثر الاختلافات والمنازعات الحيوية ثم ظهر فيهم الاختلافات فبعث الله الأنبياء بشريعة وكتاب يحكم بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه، ويحسم مادة الخصومة والنزاع.
ثم قال تعالى فيما أمتن به على محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) الشورى: 13.
ومقام الامتنان يقضى بأن الشرائع الإلهية المنزلة على البشر هي هذه التي ذكرت لا غير، وأول ما ذكر من الشريعة هي شريعة نوح، ولو لم يكن عامة للبشر كلهم وخاصة في زمنه عليه السلام لكان هناك إما نبي آخر ذو شريعة أخرى لغير قوم نوح ولم يذكر في الآية ولا في موضع آخر من كلامه تعالى، وإما إهمال سائر الناس غير