الأرضية واللذائذ الحسية فهو متفرع على الوجه السابق متأخر عنه. وموقع تلك النشأة وهذه النشأة في تفرعها عليها موقعا كن ويكون في قوله تعالى: " أن نقول له كن فيكون " يس: 82.
ويتبين بذلك أن هذه النشأة الانسانية الدنيوية مسبوقة بنشأة أخرى إنسانية هي هي بعينها غير أن الآحاد موجودون فيها غير محجوبين عن ربهم يشاهدون فيها وحدانيته تعالى في الربوبية بمشاهدة أنفسهم لا من طريق الاستدلال بل لانهم لا ينقطعون عنه ولا يفقدونه، ويعترفون به وبكل حق من قبله، وأما قذارة الشرك وألواث المعاصي فهو من أحكام هذه النشأة الدنيوية دون تلك النشأة التي ليس فيها إلا فعله تعالى القائم به فافهم ذلك.
وأنت إذا تدبرت هذه الآيات ثم راجعت قوله تعالى: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " الآية وأجدت التدبر فيها وجدتها تشير إلى تفصيل أمر تشير هذه الآيات إلى إجماله فهي تشير إلى نشأة إنسانية سابقة فرق الله فيها بين أفراد هذا النوع وميز بينهم وأشهدهم على أنفسهم: أ لست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا.
ولا يرد عليه ما أورد على قول المثبتين في تفسير الآية على ما فهموه من معنى عالم الذر من الروايات على ما تقدم فإن هذا المعنى المستفاد من سائر الآيات والنشأة السابقة التي تثبته لا تفارق هذه النشأة الانسانية الدنيوية زمانا بل هي معها محيطه بها لكنها سابقة عليها السبق الذي في قوله تعالى: " كن فيكون " ولا يرد عليه شئ من المحاذير المذكورة.
ولا يرد عليه ما أوردناه على قول المنكرين في تفسيرهم الآية بحال وجود النوع الانساني في هذه النشأة الدنيوية من مخالفته لقوله: " وإذ أخذ ربك " ثم التجوز في الاشهاد بإرادة التعريف منه، وفي الخطاب بقوله: " أ لست بربكم " بإرادة دلالة الحال، وكذا في قوله: " قالوا بلى " وقوله " شهدنا " بل الظرف ظرف سابق على الدنيا وهو غيرها، والاشهاد على حقيقته والخطاب على حقيقته.
ولا يرد عليه أنه من قبيل تحميل الآية معنى لا تدل عليه فإن الآية لا تأبى عنه