والنقل أن إنسانية الانسان بنفسه التي هي أمر وراء المادة حادث بحدوث هذا البدن الدنيوي، وقد تقدم شطر من البحث فيها.
على أنه قد ثبت بالبحث القطعي أن هذه العلوم التصديقية البديهية والنظرية منها التصديق بأن له ربا يملكه ويدبر أمره تحصل للانسان بعد حصول والتطورات والجميع تنتهي إلى الاحساسات الظاهرة والباطنة، وهي تتوقف على وجود التركيب الدنيوي المادي فهو حال العلوم الحصولية التي منها التصديق بأن له ربا هو القائم برفع حاجته.
على أن هذه الحجة إن كانت متوقفة في تمامها على العقل والمعرفة معا فالعقل مسلوب عن الذرة حين أرجعت إلى موطنه الصلبي حتى تظهر ثانيا في الدنيا، وإن قيل أنه لم يسلب عنها ما تجري في الأصلاب والأرحام فهو مسلوب عن الانسان ما بين ولادته وبلوغه أعني أيام الطفولية. ويختل بذلك أمر الحجة على الانسان، وإن كانت غير متوقفة عليه بل يكفي في تمامها مجرد حصول المعرفة فأي حاجة إلى الاشهاد وأخذ الميثاق وظاهر الآية أن الاشهاد وأخذ الميثاق إنما هما لأجل إتمام الحجة فلا محالة يرجع معنى الآية إلى حصول المعرفة فيؤول المعنى إلى ما فسرها به المنكرون.
وبتقرير آخر: إن كانت الحجة إنما تتم بمجموع الاشهاد والتعريف وأخذ الميثاق سقطت بنسيان البعض، وقد نسي الاشهاد والتكليم وأخذ الميثاق، وإن كان الاشهاد وأخذ الميثاق جميعا مقدمة لثبوت المعرفة ثم زالت المقدمة ولزمت المعرفة، وبها تمام الحجة تمت الحجة على كل إنسان حتى الجنين والطفل والمعتوه والجاهل، ولا يساعد عليه عقل ولا نقل، وإن كانت المعرفة في تمام الحجة بها متوقفة على حصول العقل والبلوغ ونحو ذلك، وقد كانت حصلت في عالم الذر فتمت الحجة ثم زالت وبقيت المعرفة حجة ناقصة ثم كملت ثانيا لبعضهم في الدنيا فتمت الحجة ثانيا بالنسبة إليهم فكما أن لحصول العقل في الدنيا أسبابا تكوينية يحصل بها وهي الحوادث المتكررة من الخير والشر وحصول الملكة المميزة بينهما من التجارب حصولا تدريجيا ينتهي من جانب إلى حد من الكمال، ومن جانب إلى حد من الضعف لا يعبأ به، كذلك المعرفة لها أسباب إعدادية تهيأ الانسان إلى التلبس بها، وليست تحصل قبل ذلك، وإذا كانت