تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣١٩
النوع في الدنيا فلا مصحح للتعبير عن ظرفها بلفظة " إذ " الدالة على تقدم ظرف القصة على ظرف الخطاب، ولا عناية أخرى في المقام تصحح هذا التعبير من قبيل تحقق الوقوع ونحوه وهو ظاهر.
فقوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " في عين أنه يدل على قصة خلقه تعالى النوع الانساني بنحو التوليد وأخذ الفرد من الفرد، وبث الكثير من القليل كما هو المشهود في نحو تكون الآحاد من الانسان، وحفظهم وجود النوع بوجود البعض من البعض على التعاقب يدل على أن للقصة - وهي تنطبق على الحال المشهود - نوعا من التقدم على هذا المشهود من جريان الخلقة وسيرها.
وقد تقدمت استحالة ما افترضوا لهذا التقدم من تقدم هذه الخلقة بنحو تقدما زمانيا بأن يأخذ الله أول فرد من هذا النوع فيأخذ منه مادة النطفة التي منها نسل هذا النوع فيجزئها أجزاء ذرية بعدد أفراد النوع إلى يوم القيامة ثم يلبس وجود كل فرد بعينه بحياته وعقله وسمعه وبصره وضميره وظهره وبطنه ويكسيه وجوده التي هي له قبل أن يسير مسيره الطبيعي فيشهده نفسه ويأخذ منه الميثاق، ثم ينزعه منها ويردها إلى مكانها الصلبي حتى يسير سيره الطبيعي، وينتهي إلى موطنها الذي لها من الدنيا فقد تقدم بطلان ذلك، وأن الآية أجنبية عنه.
لكن الذي أحال هذا المعنى هو استلزامه وجود الانسان بما له من الشخصية الدنيوية مرتين في الدنيا، واحدة بعد أخرى المستلزم لكون الشئ غير نفسه بتعدد (1) شخصيته فهو الأصل الذي تنتهي إليه جميع المشكلات السابقة.
وأما وجود الانسان أو غيره في امتداد مسيره إلى الله ورجوعه إليه في عوالم مختلفة النظام متفاوتة الحكم فليس بمحال، وهو مما يثبته القرآن الكريم ولو كره ذلك الكافرون الذين يقولون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر فقد أثبت الله الحياة الآخرة للانسان وغيره يوم البعث، وفيه هذا الانسان بعينه، وقد وصفه بنظام وأحكام غير هذه النشأة الدنيوية نظاما وأحكاما، وقد أثبت حياة برزخية لهذا الانسان بعينه وهي غير الحياة الدنيوية نظاما وحكما، وأثبت

(1) وهذا غير تعدد الشخصية الذي ربما اصطلح عليه في فن الأخلاق وعلم النفس التربوي.
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»
الفهرست