تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣١٥
ثم صارت هي بعينها أولاده الصلبيين - إلى الخارج من صلبه ثم أخرج من هذه النطف نطفها التي ستتكون أولادا له صلبيين ففصل بين أجزائها والاجزاء الأصلية التي اشتقت منها ثم من أجزاء هذه النطف أجزاء أخرى هي نطفها، ثم من أجزاء الاجزاء أجزاءها ولم يزل حتى أتى آخر جزء مشتق من الاجزاء المتعاقبة في التجزي، وبعبارة أخرى أخرج نطفة آدم التي هي مادة البشر ووزعها بفصل بعض أجزائه من بعض إلى ما لا يحصى من عدد بني آدم بحذاء كل فرد ما هو نصيبه من أجزاء نطفة آدم، وهي ذرات منبثة غير محصورة.
ثم جعل الله سبحانه هذه الذرات المنبثة عند ذلك - أو كان قد جعلها قبل ذلك كل ذرة منها إنسانا تاما في إنسانيته، هو بعينه الانسان الدنيوي الذي هو جزء المقدم له فالجزء الذي لزيد هناك هو زيد هذا بعينه، والذي لعمرو هو عمرو هذا بعينه فجعلهم ذوي حياة وعقل وجعل لهم ما يسمعون به وما يتكلمون به، وما يضمرون به معاني فيظهرونها أو يكتمونها وعند ذلك عرفهم نفسه فخاطبهم فأجابوه، وأعطوه الاقرار بالربوبية إما بموافقة ما في ضميرهم لما في لسانهم أو بمخالفته ذلك.
ثم إن الله سبحانه ردهم بعد أخذ الميثاق إلى مواطنهم من الأصلاب حتى اجتمعوا في صلب آدم وهي على حياتها ومعرفتها بالربوبية وإن نسوا ما وراء ذلك مما شاهدوه عند الاشهاد وأخذ الميثاق، وهم بأعيانهم موجودون في الأصلاب حتى يؤذن لهم في الخروج إلى الدنيا فيخرجون وعندهم ما حصلوه في الخلق الأول من معرفة الربوبية، وهي حكمهم بوجود رب لهم من مشاهدة أنفسهم محتاجة إلى من يملكهم ويدبر أمرهم.
هذا ما يفهمه القوم من الخبر والآية ويرومون إثباته، وهو مما يدفعه الضرورة، وينفيه القرآن والحديث بلا ريب، وكيف الطريق إلى إثبات أن ذرة من ذرات بدن زيد - وهو الجزء الذري الذي انتقل من صلب آدم من طريق نطفته إلى ابنه ثم إلى ابن ابنه حتى انتهى إلى زيد - هو زيد بعينه، وله إدراك زيد وعقله وضميره وسمعه وبصره، وهو الذي يتوجه إليه التكليف، وتتم له الحجة، ويحمل عليه العهود والمواثيق، ويقع عليه الثواب والعقاب؟ وقد صح بالحجة القاطعة من طريق العقل
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»
الفهرست