الكلام الجاري، وسياقها سياق خارج عن سياق هذه القطعة المتعرضة للمشافهة والمناجاة بين موسى وبينه تعالى راجع إلى السياق الأصلي السابق الذي هو سياق المتكلم مع الغير.
فبتبديل " والذين هم بآياتي يؤمنون " إلى قوله: " والذين هم بآياتنا يؤمنون " يتصل الآية التالية بسابقتها في السياق بنحو لطيف فافهم ذلك وتدبر فيه فإنه من عجب السياقات القرآنية.
قوله تعالى: ر " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل - إلى قوله - كانت عليهم ". قال الراغب في المفردات: الاصر عقد الشئ وحبسه بقهره يقال: أصرته فهو مأصور، والمأصر والمأصر - بفتح الصاد وكسرها - محبس السفينة، قال تعالى: ويضع عنهم إصرهم أي الأمور التي تثبطهم وتقيدهم عن الخيرات، وعن الوصول إلى الثوابات وعلى ذلك: ولا تحمل علينا إصرا، وقيل ثقلا وتحقيقه ما ذكرت. (انتهى) والاغلال جمع غل وهو ما يقيد به.
وقوله: " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " الآية بحسب ظاهر السياق بيان لقوله: " والذين هم بآياتنا يؤمنون " ويؤيده ما هو ظاهر الآية أن كونه صلى الله عليه وآله وسلم رسولا نبيا أميا ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم كل ذلك من أمارات النبوة الخاتمية وآياتها المذكورة لهم في التوراة والإنجيل فمن الايمان بآيات الله الذي شرطه الله تعالى لهم في كلامه: أن يؤمنوا بالآيات المذكورة لهم أمارات لنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
غير أن من المسلم الذي لا مرية فيه أن الرحمة التي وعد الله كتابته لليهود بشرط التقوى والايمان بآيات الله ليست بحيث تختص بالذين آمنوا منهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويحرم عنها صالحوا بني إسرائيل من لدن أجاب الله دعوة موسى عليه السلام إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فآمن به شرذمة قليلة من اليهود فإن ذلك مما لا ينبغي توهمه أصلا. فبين موسى وعيسى عليهما السلام، وكذا بعد عيسى عليه السلام ممن آمن به من بني إسرائيل جم غفير من المؤمنين الذين آمنوا بالدعوة الإلهية فقبل الله منهم إيمانهم ووعدهم بالخير، والكلام