هو من المعاني العقلية غير المحسوسة، أو المراد بالصورة الصورة المحسوسة، وبالمثال الصورة المتخيلة، أو المراد بالصورة التصور وبالمثال التصديق، وكيف كان فالعلوم الفكرية داخلة في ذلك، والاخبار في نفي كون العلم الفكري إحاطة علمية بالله كثيرة جدا.
وكون هذه المعرفة شركا لاثباتها أمرا ليس بخالق ولا مخلوق كما عرفت آنفا، ولزوم كونه مشاركا معه بوجه مبائنا له بوجه، ولذلك عقب عليه السلام الكلام بقوله:
" وإنما هو واحد موحد أي أنه لا يشاركه في ذاته شئ بوجه من الوجوه حتى يوجب ذلك تركبه وانتفاء وحدته كما أن الصورة العلمية تشارك المعلوم الخارجي في معناه وماهيته وتفارقه في وجوده فيصير المعلوم بذلك مركبا من ماهية ووجود.
" فكيف يوحد من زعم أنه يعرفه بغيره مع إثباته شريكا له في وجوده وتركبا له في ذاته " إنما عرف الله من عرفه بالله " أي بنفس ذاته من غير واسطة " ومن لم يعرفه به فليس يعرفه إنما يعرف غيره " كل ذلك لأنه ليس بين الخالق والمخلوق شئ " أي أمر يربطهما هو غيرهما " والله خالق الأشياء لا من شئ " يكون رابطا بينهما موصلا للخالق إلى المخلوق وبالعكس كما أن الانسان الصانع يربطه إلى مصنوعه مثاله الذي في ذهن الصانع، والمادة الخارجية التي بيده.
وقوله عليه السلام: " تسمى بأسمائه فهو غير أسمائه " في موضع دفع اعتراض مقدر، وهو إن يقال: إنا إنما نعرفه سبحانه بأسمائه الحاكية لجماله وجلاله، فدفعه بأن نفس التسمي بالأسماء يقضي بأن الأسماء غيره إذ لو لم تكن غيره لكان معرفته بأسمائه معرفة له بنفسه لا بشئ آخر ثم أكده بأن الأسماء واصفة، والذات موصوفة " والموصوف غير الواصف ".
فإن رجع المعترض وقال: إنا نؤمن بما نجهله، ولا يمكننا معرفته بنفسه إلا بما تسمى معرفة به بنوع من المجاز كالمعرفة بالآيات و " زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال عن المعرفة لا يدري ما ذا يقول فإنه يدرك شيئا لا محالة لا مجال له لانكار ذلك " ولا يدرك مخلوق شيئا إلا بالله " فهو يعرف الله وإلا لم يمكنه أن يعرف به، ولا تنال " ولا تدرك معرفة الله إلا بالله " ولا رابطة مشتركة بين الخالق والمخلوق " والله خلو من خلقه وخلقه خلو منه ".