تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٧٦
إليه فكان فيما أجابه الله به أنه سيكتب رحمته للذين آمنوا واتقوا فكأنه قال: اكتب رحمتك لمن هاد إليك منا، فأجابه الله أن سأكتب رحمتي لمن هاد واتقى وآمن بآياتي فكان في ذلك تقييد لمسألته.
ولا ضير في ذلك فأنه سبحانه هو الهادي لأنبيائه ورسله المعلم لهم يعلم كليمه إن يقيد مسألته بالتقوى وهو الورع عن محارمه وبالايمان بآياته وهو التسليم لأنبيائه وللاحكام النازلة إليهم، ولا يطلق الهود وهو الرجوع إلى الله بالايمان به، فهذا تصرف في دعاء موسى بتقييده كما تصرف تعالى في دعاء إبراهيم بالتقييد في قوله:
" قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " البقرة:
124، وبالتعميم والاطلاق في قوله فيما يحكي من دعائه لأهل مكة: " وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " البقرة: 126، فقد تبين أولا أن الآية تتضمن استجابته تعالى لدعاء موسى: " و اكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة " بتقييد ما له فمن العجيب ما ذكره بعضهم: أن الآية بسياقها تدل على أن الله سبحانه رد دعوة موسى ولم يستجبها، وكذا قول بعضهم: إن موسى عليه السلام دعا لقومه فاستجابه الله في حق أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بناء على بيانية قوله: " الذين يتبعون الرسول " الآية لقوله: " للذين يتقون " الآية وسيجئ.
وثانيا: أنه تعالى استجاب ما اشتمل عليه الفصل الأول من دعائه فإنه تعالى لم يرده، وحاشا أن يحكى الله في كلامه دعاء لاغيا غير مستجاب، وقوله: " فسأكتبها للذين " الآية فإنه يحاذي ما سأله عليه السلام من الحسنة المستمرة الباقية في الدنيا والآخرة لقومه، وأما طلب المغفرة لذنب دفعي صدر عنهم بقولهم: " أرنا الله جهرة " فلا يحاذيه قوله: " فسأكتبها " الآية بوجه، فسكوته تعالى عن رد دعوته دليل أجابتها كما في سائر الموارد التي تشابهه في القرآن.
ويلوح إلى استجابة دعوته لهم بالمغفرة قوله في القصد في موضع آخر: " ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " البقرة: 56، فمن البعيد المستبعد أن يحييهم الله بعد إهلاكهم ولم يغفر لهم ذنبهم الذي أهلكوا به.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست